القائمة الرئيسية

الصفحات

الـــزلــــــــــزال

أما بعد: عباد الله :إن هدوء الأرض وتذللها من نعم الله تعالى على عباده [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ] {الملك:15}. بل هي نعمة جليلة امتن الله بها على عباده وذكرهم بها وأمرهم بشكرها ، فهذه النعمة قد تتحول بكلمة "كن " وبأقل من لمح البصر إلى نقمة تجلب الدمار العظيم والهلاك الفاجع ، فيكفي أن تتحرك لثوان معدودة ليصبح عاليها سافلها ، ومن فوقها في بطنها ، فما أهون الخلق على الله إذا عصوه ، فلم يأتمروا بأمره ولم ينتهوا لنهيه، وإنما يحصل ذلك إذا علا الران القلوب واستمرأت بالمنكر النفوس . [وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا] {الإسراء:59} وقد أرسل الله آياته على الأمم السابقة، فأبيدوا جميعا بعد أن أمنوا مكر الله ، أغرق قوم نوح بطوفان عظيم غطى الأرض ، وأرسل على قوم ثمود صيحة عظيمة فيها الممات، وأرسل الريح العاتية على قوم عاد سبعَ ليال وثمانية أيام ، حسمت أمرهم وبقيت آثارهم لمن بعدهم ، وخسف بقارون حين فرح بالمال وطغى وظلم، وأغرق فرعون حين استكبر وتجبر ليكون عبرة في الأمم، ورفع قرى قوم لوط إلى السماء ثم جعل عاليها سافلها وأمطرهم بحجارة كالحمم، [فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ] {العنكبوت:40}
هذا هو مصير الأمم حين تغرق في شهواتها وتضل طريقها وتفشوا فيها المنكرات والانحلال الخلقي وتنتشر الدعارة وتستحكم الغفلة في القلوب [فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ] {الأنعام:44}
عباد الله :لقد نعى الله على الكافرين والمنافقين أصحاب القلوب الميتة أنهم لا يعتبرون ولا يذّكرون بل ربما زادتهم البلايا بعداً والكوارث إعراضاً وجحوداً [أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ] {التوبة:126}
فلنحذر نقمة الله التي حلت بِمَن قبلنا ومِن حولنا قبل أن تحل بنا ، وحذر من احتقار الذنوب واستصغارها، فكلما استعظم العبد الذنب صغر عند الله، وكلما استصغره عظم عند الله . قال أحد السلف: لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظم من عصيت. ، فما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة ، إنها المعصية التي يصل شؤمها إلى الماء والهواء والحيوان.
عباد الله : لا زالت آيات الله تترى، ففي أماكن تنتشر الأوبئة التي تحصد البشر، وفي أمكنة أخرى فيضانات تجرف كل ما تصل إليه، بينما تعيش مناطق أخرى في قحط شديد، وزلازل تهتز الأرض لها فتبيد البلاد والعباد، ضمن الآيات التي يخوف الله بها عباده .

وقد سمعنا عن الزلزال الذي ضرب منطقة الشونة شمال الأردن بقوة 5ر4 درجة على مقياس ريختر ليوم السبت بتاريخ 1/1/2011.
هذا الزلزال الذي بدأ يزمجر تحت الأقدام، ويقضّ مضاجع النيام، ولا يعلم إلا الله ما سيخرج من رحم المقبل من الأيام، [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] {الشُّورى:30}
وقد سمعنا البارحة عن الزلزال الذي ضرب البحر الميت بقوة 4,4 ووصل اثرة الى عمان وجنوب المملكة نسال الله ان يلطف بنا وان لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .
عباد الله :للزلازل رسالة تقول: اتقوا الله يا عباد الله، فقد انتشر الظلم بين العباد، وبَعُد البعض عن دين الله، واستبيحت الحرمات، وشربت الخمور، وتاجر البعض بالمخدرات، والغناء والمعازف أصبحت عند البعض من المباحات بلا خلاف، وتبرّجت النساء في الأسواق والملاهي، واختلط الرجال بالنساء ، وبَعُدَ الشبابُ عن طريق القدوات من الصحابة والتابعين، وقلّدوا الكفار في اللباس والأخلاق، وأعظم من ذلك كله ترك البعض للصلوات أو التساهل بأدائها، والجبار في علاه يقول: [قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ] {الأنعام:65}
عباد الله :للزلازل رسالة مفادها أنها آية من آيات الله يخوف الله بها عباده ولو عرفوا أسبابها ومكانها واستعدوا لها، فلا أحد مهما بلغ علمه يعرف متى ستحدث تحديدًا، ولا يستطيع التنبّؤَ بآثارها ونتائجها، إنه الحق تبارك وتعالى يفعل ما يشاء وقت ما يشاء كيفما يشاء.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان بالتنفس، فتحدث فيها الزلازل العظام، وقال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: إن ربكم يستعتبكم، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد زلزلت المدينة فخطبهم ووعظهم وقال: لئن عادت لا أساكنكم فيها" . ورضي الله عن عمر؛ يقول هذا لأناس يعيش هو بينهم، فماذا كان سيقول لو رأى ما نحن فيه من تبدل الحال وتحول الأمور؟!
والعجب كل العجب ممن يجعل أسباب الزلازل اضطرابات جغرافيه وتغيرات بيولوجيه ، صحيح ان شيئاً يعتمد على ذلك ، لكن السؤال هو: بأمر من تحدث الزلازل ؟
لسنا ضد النظريات العلمية ، لكننا نؤمن أن الله جل جلاله جعل هذه الزلازل آيات يخوف بها عباده ليقلعوا عن ذنوبهم ويرجعوا إلى ربهم ، أما أن تفسر القضية على أنها حوادث طبيعية دون بيان أسبابها الحقيقية، ويبقى الناس في بعدهم عن ربهم ، فهذه مصيبة أشد من تزلزل الأرض لأن موت القلوب أشد من موت الأبدان.
عباد الله :للزلازل دعوة للبشر أن يعودا إلى الله، ويتوبوا إليه ، فالمعصية قد تصدر حتى من مؤمن، لكن العبرة بالتوبة، فشكرا لك اللهم على باب التوبة المفتوح، وحمدا لك اللهم على تبديل السيئات بالحسنات، بين ذلك ربنا في كتابه فقال: [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ] {الأعراف:201}
واستمع للأمل الرباني حين ذكر الله منكرات يرتكبها العبد الضعيف، لكن جذور الإيمان في قلبه تكسره أمام الله، فيبشره الباري جل في علاه بقوله:[إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا] {الفرقان:70} أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية أما بعد:
عباد الله : لقد اقتضت سنة الله في الأمم أن الجزاء من جنس العمل ، فالأمة المحسنة لها الحسنى ، [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] {الأعراف:96}
والأمة المسيئة تحيط بها سيئاتها وما تمرد قوم على شرع الله، وفسقوا عن أمره إلا أتاهم العذاب والنكال من الكبير المتعال فسنن الله تعالى لا تتغير ولا تتبدل ، إنما هي أسباب متى وجدت أوجدت النتائج[ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] {الأنفال:53}
عباد الله : جاء في حديث جندب بن عبد الله أن النبي قال: ((لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج)) وهو القتل.
ومن تأمل أحوال الناس مع زلازل الدنيا يجد كل أب يسعى لإنقاذ أسرته وكل أم تهتم بأطفالها لكن زلزلة الساعة أكبر من هذا وأفظع [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ] {الحج:2}

تعليقات