القائمة الرئيسية

الصفحات

أسباب حسن الخاتمة

أمَّا بعدُ عبادَ الله: إنَّ ربَّكم غَنيٌّ عَنكم، لا تضرّه مَعصيةُ مَنْ عَصاه، ولا تَنفعُه طاعةُ مَنْ أطاعَه، كما قال الله تعالى في الحديث القدسيِّ:(يا عبادي، إنَّكم لن تبلغوا ضرِّي فتضرُّوني، ولن تبلغُوا نفعِي فتنفَعوني) رواه مسلم
وكما قالَ الله تعالى:[وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا [آل عمران: 176].
فالأعمالُ الصَّالحات سبب كلِّ خيرٍ في الدُّنيا والآخِرة، وأعظم الأعمال وأفضلها أعمالُ القلوب؛ كالإيمان والتوكُّل، والخوف والرَّجاء، والرَّغبة والرَّهبة، وتعلُّق القلب بالله وحده في جَلْب كلِّ نفع ودفع كلِّ ضرٍّ، كما قال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ } [يونس: 107].
وأعمالُ الجوارح الصَّالحة تابعةٌ لأعمال القلوب، كما قال الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم -:(إنَّما الأعمَالُ بالنِّيَّات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى) رواه البخاريُّ ومسلم.
والأعمالُ السيِّئة الشرِّيرَة سببٌ لكلِّ شرٍّ في الدنيا والآخِرة، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وقال تعالى: {ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
عبادَ الله: ان العبد مأمورٌ بالطَّاعات ومنهيٌّ عن المحرَّمات في جميع الأوقات، ولكنَّه يتأكَّد الأمرُ بالعمل الصَّالح في آخِرِ العُمر وفي آخِر ساعةٍ من الأجل، ويتأكَّد النَّهيُ عن الذُّنوب في آخِر العُمر وفي آخر ساعةٍ من الأجَل؛ لقول النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما الأعمال بالخواتيم)رواه البخاريُّ.
فمَنْ وفَّقه الله تعالى للعمل الصَّالح في آخِر عمره وفي آخِر ساعةٍ من الأجَل؛ فقد كتب الله له حسنَ الخاتمة، ومَنْ خذَله الله فختَم ساعةَ أجلِه بذنب وشر؛ فقد خُتِمَ له بخاتمةِ سوءٍ - والعياذ بالله.
وقد حثَّنا الله تبارك وتعالى وأمرنا بالحرص على نَيْل الخاتمة الحسنة؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
والسَّعيُ لحُسن الخاتمة غايةُ الصَّالحين، وهِمَّة العباد المتَّقين، ورجاء الأبرار الخائفين؛ قال الله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: 132]،
قال رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم :(إنَّ قلوبَ بني آدم كلَّها بين أصبعين من أصابع الرَّحمن كقَلبٍ واحد، يصرِّفُه حيثُ يشاء)). ثم قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللَّهمَّ مصرِّفَ القلوب، صرِّف قلوبَنا على طاعتك) رواه مسلمٌ.
فمَنْ وفَّقه الله لحُسن الخاتمة؛ فقد سَعِد سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا، ومَنْ خُتِم له بسوءِ خاتمةٍ؛ فقد خَسِر في دنياه وأُخْراه.
ومَنْ صَدَق اللهَ في نيَّته وعمل بسنَّة رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - واتَّبع هَدْيَ أصحابه البَرَرَة؛ فقد جَرَت سنَّةُ الله تعالى أن يختِم له بخير، وأن يجعل عواقبَ أموره إلى خير؛ قال تعالى: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف: 30]، وقال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا} [طه: 112]
عبادَ الله: ان من اسباب التَّوفيق لحُسْن الخاتمة: النيَّةُ الصَّالحة والإخلاصُ لله؛ لأنَّ النيَّةَ والإخلاص شرطان للأعمال المقبولة.
ومن أسباب الخاتمة الحسنة: المحافظةُ على الصلوات جماعةً؛ ففي الحديث الشريف: ((مَنْ صلَّى البَرْدَيْن دخل الجنة) البخاريُّ ومسلمٌ - والبَرْدان هما: الفجر والعصر، ومَنْ داوم عليهما وصلاَّهما؛ فهو بالقيام بغيرهما من الصَّلوات أولى.
ومن أسباب التَّوفيقِ لحسن الخاتمة: الإيمان والإصلاح؛ الإصلاح للنَّفس والإصلاح للغير، كما قال تعالى: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون} [الأنعام: 48].
ومِن أسباب توفيق الله لحسن الخاتمة: تقوى الله في السرِّ والعلن، بامتثالِ أمره واجتناب نَهْيِه والدَّوام على ذلك، ومِن أسباب التَّوفيق لحُسن الخاتمة: اجتنابُ الكبائر وعظائم الذُّنوب؛ ومن أسباب التَّوفيق لحسن الخاتمة: لزومُ هَدْي النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم - واتِّباعُ طريق المهاجرين والأنصار والتَّابعينَ لهم - رضي الله تعالى عنهم -
ومن أسباب التوفيق لحسن الخاتمة: البُعْدُ عن ظلم النَّاس، وعدمُ البغي والعدوان عليهم في نفسٍ أو مالٍ أو عِرضٍ؛ ومِن أسباب التَّوفيق لحسن الخاتمة: الإحسانُ إلى الخَلْق، وكفُّ الشرِّ عنهم؛
ومن أسباب حُسن الخاتمة: العافيةُ من البِدَع؛ فإنَّ ضررها كبيرٌ، وفسادها خطيرٌ، والبِدَعُ هي التي تُفسدُ القلوبَ، وتهدِم الدِّينَ،
ومن أسباب حسن الخاتمة: الدُّعاءُ بذلك للنَّفس؛ ودُعاء المسلم لأخيه المسلم بحسن الخاتمة مستجابٌ بظَهْر الغَيْب، فاسعَوا - رحمكم الله - إلى تحصيل أسباب حسن الخاتمة ليوفِّقكم الله إلى ذلك، واحذروا أسبابَ سوء الخاتمة؛ فإنَّ الخاتمة السيِّئة هي المصيبةُ العظمى، والدَّاهيَة الكبرى، والكَسْر الذي لا ينجَبِر، والخسران المبين، والعياذ بالله من ذلك.
عبادَ الله: لقد كان السَّلف الصَّالح - رضي الله عنهم - يخافون سوءَ الخاتمة أشدَّ الخوف؛ قال البخاريُّ في "صحيحه": "قال ابن أبي مُلَيْكَة: أدركتُ ثلاثينَ من الصَّحابة، كلُّهم يخاف النِّفاقَ على نفسه"
وقال ابن رجب: "وكان سفيان الثوريُّ يشتدَّ قلقُه وخوفُه من السَّوابق والخواتم؛ فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا، ويبكي ويقول: أخاف أن أُسلَبَ الإيمانَ عند الموت.
ومَنْ وقف على أخبار المحتَضَرين عند الموت وشاهد بعضًا منهم؛ اشتدَّت رغبته في تحصيل أسباب حُسن الخاتمة؛ ليكون مع هؤلاء الموفَّقين لحسن الخاتمة؛ فقد روي انه شُوهِدَ من المحتَضَرين مَنْ يَلْهَجُ بذِكْر الله وبـ"لا إله إلا الله"، ومَنْ كان آخِر كلامه من الدُّنيا لا إله إلا الله دخلَ الجنة، وشُوهِدَ بعضهم يتلو القرآنَ، وشُوهِدَ بعضُ المحتَضَرين يقسِّم مسائلَ الفرائض ويتكلَّم في مسائل العلم، وقال بعضُهم: "لا تخافوا عليَّ؛ فقد بُشِّرتُ بالجنَّة الساعةَ"!
قال عبد العزيز بن أبي رَوَّادٍ: "حَضَرْتُ رجلاً عند الموت يُلقَّن: لا إلهَ إلا الله؛ فقال في آخِر ما قال هو كافِرٌ بها، ومات على ذلك، قال: فسألتُ عنه، فإذا هو مُدمِن خمرٍ، وقيل لآخَر عند الموت: قُلْ: لا إلهَ إلا الله؛ فقال: عشَرة بأحدَ عشر، وكان يتعامل بالرِّبا، وقيل لآخَر: اذكرِ الله، فقال: رضا الغلام فلان أحبُّ إليَّ من رضا الله، وكان يميل إلى الفاحشة .
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:.
أمَّا بعد: عبادَ الله:اعملوا الصَّالحات، وجانبوا المحرَّمات، واجتهدوا في تحصيل أسباب حُسن الخاتمة تفوزوا بجنَّاته وتنجوا من عذابه ، واحذَروا أسبابَ سوء الخاتمة، واجتهدوا فيما يُرضي ربَّكم ، وأحسنوا العمل، وأحسنوا الظنَّ بربِّكم، ولا يُسِئ المرء العملَ ويتمنَّى على الله الأماني .
فاتقوا الله تعالى بلزوم طاعاته ومجانبة محرَّماته؛ ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33].
اللهم انا نسالك باسمائك الحسنى ان تجعل اخر كلامنا من الدنيا لا اله الا الله

تعليقات