الشــــــــــــــــــباب
قال الله تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }الروم5لقد سيقت هذه الآية الكريمة للإدكار والاعتبار ففيها ينبه جل وعلا بني الإنسان إلى أصل خلقهم ، ثم إلى الأدوار التي مروا وسيمرون بها في هذه الحياة ، يخرج من بطن أمه إلى الدنيا ضعيفا واهن القوى أحوج ما يكون إلى غيره { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ) ثم يأخذ في القوة حتى يصير شابا مكتمل القوى (ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) ثم يأخذ في النقص فيكتهل ثم يشيخ ثم يهرم .
الشباب هو زمن العمل لأنه زمن قوة بين ضعفين ، وهو ضيف سريع الرحيل فإن لم يغتنمه العاقل تقطعت نفسه بعد حسرات ، إنه صحة لن تعود ونشاط لن يبقى وحواس تنقص ، كانت صفية بنت سيرين توصي فتقول يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم وأنتم شباب فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب .
الشباب أمل المستقبل وزمن الحاضر ونهضة الغد هم أغلى من كل رغبة وأفضل من أي فائدة وأسمى من أي مغنم ، ما استتب لأمة أمن إلا بسواعدهم ، وما اتسق لها عز إلا بعزتهم ، ولا تهيأت لها رفعة إلا بقوتهم ، إن مرحلة الشباب سلاح ذو حدين تحمل في طياتها عنصر الخير وقد تتوجه إلى البر والإصلاح والبناء والتعمير ، أو تشتغل إلى عكس ذلك وتؤدي إلى شر مستطير وهدم وتدمير وضرر وإفساد ، والقرآن الكريم يعرض نماذج رفيعة للشباب المؤمن ويجعلها مثلا أعلى للشباب في كل زمان ومكان ، ففي سورة يوسف يسجل القرآن حياة يوسف عليه السلام الذي تعرض للابتلاء من صغره بل كانت حياته سلسلة متصلة الحلقات من المحن والشدائد فخرج منها جميعا طاهرا نقيا عفيفا نزيها حافظ على نقاوة شبابه ثم مكن الله له في الأرض {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }يوسف56
** كما يعرض القرآن لحياة موسى عليه السلام وكيف أنه في ريعان شبابه وعنفوان قوته كان يستخدم هذا الشباب في حمل الخير ومساعدة المحتاجين {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }القصص23
- الشباب لهم ماض مشرق في التاريخ الإسلامي كانوا أول الداخلين في الإسلام والملتفين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم والشعلة المضيئة في السيرة غذاهم الإسلام بمبادئه وروضهم على تعاليمه، ففي ميدان العلم والمعرفة جعل منهم أئمة في الدين وأعلاما في الفقه وفي مجالات العبادة جعل منهم رهبانا بالليل {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الذاريات17
- كانوا مشاعل النور إلى العالم في الدعوة إلى الله وسطروا ملاحم البطولة ونال كثير منهم شرف القيادة وشرف النصر وشرف الشهادة .
** الشباب هم عدة المستقبل وإذا أردت أن تبين مستقبل أمة فانظر إلى شبابها فإذا وجدته مؤمنا بالله مقتديا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا على الطاعة يحيا حياة عاملة جادة فاعلم أن للأمة غدا مشرقا بالعز والمجد ، أما إذا رأيت شباب الأمة معرضا عن تقوى الله منغمسا في الرذائل منصرفا إلى اللهو والعبث غارقا في الشهوات والملذات فقد الاتزان في تفكيره وسلوكه فأي مستقبل تتطلع إليه الأمة ، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بالشباب يجيب دعوتهم ( فعن عبد الله بن بسر قال بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوه إلى الطعام فجاء معي) أخرجه أحمد
ولقد كان وهو في مجلسه التي يحضرها كبار القوم يعرف للشباب قدرهم (( عن سهل بن سعد قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم والأشياخ عن يساره فقال يا غلام أتأذن أن أعطيه الأشياخ ؟ فقال ما كنت لأوثر بفضل منك أحدا يا رسول الله فأعطاه إياه) متفق عليه
هذا الإهتمام يجب أن يستثير اهتمام الجميع لتحصين الشباب من المخاطر التي تواجههم وقد تسبب لهم الانحراف ومنها الفراغ الذي يسبب تبلد الفكر وضعف النفس واستيلاء الوساوس والأفكار الرديئة و السيئة ، ومن علم أن الشباب ضيف لا يعود وفرصة إذا مرت لا رجوع لها شغله بطاعة الله والعمل الجاد ومن أتبع نفسه هواها قاده الشيطان بزمام الشباب إلى التهلكة و جلساء السوء يفسدون في الأرض ولا يصلحون (( قال صلى الله عليه وسلم المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) أخرجه أحمد
ان كثرة المثيرات من خلال المشاهد الهابطة التي تصور لهم مباهج الحياة المتحللة وترسخ في أذهانهم أن الدنيا كأس وغانية ليسقط الشباب في ميدان القيم ويفلس في ميدان الروح والخلق ، إن شبابنا يقع في كل دقيقة من يومه تحت تأثير الضخ الإعلامي الفضائي الذي يصوب ضدهم لينزع الشباب من تربته فيقطعه من جذوره .
لذا فإن المحافظة على الشباب عقيدة راسخة وفكرا صافيا وجسما قويا أشد إلحاحا فهم ثروة الأمة الحقيقية . ومن المخاطر التي تواجه الشباب التأثر بالأخلاق الوافدة في الملبس في الأفكار في الثقافات ، إذ كيف يقلد المسلم الكافر في باطله والغرب في انحلاله وميوعته فلا إله في نظره يرقب جزاءه ولا دين يتقيد بحدوده (( وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم . قيل يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن)) متفق عليه
ومن أعظم المخاطر انشغال الآباء والأمهات عن تخصيص الوقت الكافي للتربية فيترك الشباب في مواجهة العواصف العنيفة والتيارات العاتية دون توجيه وإرشاد وهذا يجعل مقاومتهم ضعيفة ومناعتهم محدودة فيغرقون في دوامات تطويهم وتعصف بهم قال تعالى(( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} الشمس
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
لقد حرص الإسلام على تكوين الشباب فحث على التزام الطاعة لله والعبادة له (( فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر وشاب نشأ في عبادة الله ) متفق علية
وحث الشباب على اغتنام القوة والصحة في فترة الشباب ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه : اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك .
فقد بين أنهم محاسبون على هذا الشباب ومسؤولون عنه فقال (( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه ]
اعلموا عباد الله أن أعظم وسيلة لتحصين الشباب ترسيخ الإيمان فالإيمان بالله يملأ القلب طمأنينة ويبعث في النفس الثقة ويحوط المؤمن بسياج منيع والتوجيه الصالح الرشيد ، فالشباب بحاجة إلى أبوة بحب ونصح بعلم وتوجيه بإخلاص ولا بد أن نحرص على المصادر التي يستقي منها الشباب ثقافتهم وزادهم حتى تكون صدورهم منابع صافية غير مشبوهة بتلوثات أو شبهات لتصب جميعها في تنشئة الشباب و الجيل الصاعد .
تعليقات
إرسال تعليق