القائمة الرئيسية

الصفحات

الْعَفْوُ وَالتَّسَامُحُ

عباد الله : لقد حثنا ديننا الاسلامي على التحلي بالأخلاق الفاضلة لا سيما خلق العفوِ والتسامحِ، وقدْ كانَ صلى الله عليه وسلم أعظمَ مثالٍ لذلكَ، فكانَ صلى الله عليه وسلم متسامِحًا معَ الناسِ، يعفُو عنهُمْ ويصفحُ، وقدْ سئلَتِ السيدةُ عَائِشَةُ رضيَ اللهُ عنهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَت ( لَمْ يَكُنْ فَاحِشاً وَلاَ مُتَفَحِّشاً وَلاَ صَخَّاباً فِى الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَجْزِى بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ ) صحيح الألباني

وقدْ جعلَ اللهُ تعالَى خُلُقَ العفوِ مِنْ صفاتِ المؤمنينَ المتقينَ قالَ تعالَى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ] {آل عمران:133}

رويَ أنَّ جَارِيَةً لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضيَ اللهُ عنهُمَا كانَتْ تَسْكَبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ ليتوضَّأَ لِلصَّلاَةِ فَسَقَطَ الإِبْرِيقُ مِنْ يَدِ الْجَارِيَةِ عَلَى وَجْهِهِ فَشَجَّهُ، فَرَفَعَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رضيَ اللهُ عنهُمَا رَأْسَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ :{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} فَقَالَ لَهَا: قَدْ كَظَمْتُ غَيْظِي. قَالَتْ :{وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} فَقَالَ لَهَا: قَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْكِ. قَالَتْ :{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: اذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ .

عباد الله : للعفوِ فضلٌ عظيمٌ فِي تحقيقِ المصالح بينَ الناسِ وإشاعةِ المحبةِ بينهُمْ، وبالعفوِ ينالُ المسلمُ مرضاةَ اللهِ وعفوَهُ يومَ القيامةِ، يقولُ جلَّ جلالُهُ: [ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {التغابن:14} وبالعفوِ يكونُ العبدُ أقربَ للتقوَى، قالَ تعالَى : [ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ] {البقرة:237}

عباد الله : لقَدْ كانَ لنَا فِي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأسوةُ الحسنةُ فِي التسامحِ والعفوِ، فمِنْ مواقفِهِ صلى الله عليه وسلم التِي تفيضُ حلمًا وسماحةً وعفوا حينمَا دخل مكةَ إذْ قالَ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ آذَوْهُ وأخرجُوهُ مِنْ بلدِهِ : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ) صحيح الالباني

عباد الله : لقدْ تعلَّمَ الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهُمْ هذَا الخلقَ مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتأسَّوْا بِهِ وطبقُوهُ فِي حياتِهِم ، فقيل ان ذات يوم سُرِق الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود حين كان في السوق فقال له من كان معه "تعالوا لندعوا على السارق" فقال عبد الله : أنا صاحب المال ، انا أدعو وأنتم آمِّنوا ! وبدأ بالدعاء قائلاً : " اللهم إن كنت تعلم أنّ الذي سَـرق نقودي محتاجاً إليها فـبارك لـه فيها وإن كان غير محتاج اليها فاجعله آخـر ذنب يذنبه ! "

وهذَا عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رضيَ اللهُ عنهُ يقولُ: أحبُّ الأمورِ إلَى اللهِ العفوُ فِي القدرةِ ... ومَا رفقَ أحدٌ بأحدٍ فِي الدنيَا إلاَّ رفقَ اللهُ بهِ يومَ القيامة ) وإذَا كانَ الإنسانُ مُطَالَبًا بالعفوِ عَنِ الناسِ فأولَى الناسِ بذلكَ زوجتُهُ وأولادُهُ ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَقَالَ :« كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً » صححة الالباني .

فعلينَا أنْ نتمسَّكَ بِهذهِ الأخلاقِ النبويةِ، فنعفُوَ عمَّنْ ظلمَنَا ونتسامَحَ فيمَا بينَنَا ونصفَحَ عمَّنْ أساءَ إلينَا ابتغاءَ مرضاةِ اللهِ وطلبًا للثوابِ منهُ سبحانَهُ، وإشاعةً للمحبةِ فِي المجتمعِ.

أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.

عبادَ اللهِ: اعلمُوا أنَّ الإسلامَ بدعوتِهِ إلَى العفوِ والتسامحِ استطاعَ أنْ ينشُرَ قِيمَ الخيرِ والسلامِ فِي أرجاءِ الدنيَا مِمَّا أتاحَ بناءَ حضارةٍ تدعُو إلَى الرفقِ واللينِ، قَالَتِ السيدةُ عَائِشَةُ رضىَ اللهُ عنهَا فِي وصْفِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم : ( ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله عز وجل ] . صحيح

عباد الله : بابَ العفو والصَّفح والتسامح والمغفرة، وطِيبُ النفس وحسنُ الظنّ بالآخرين وقَبول الاعتذار وإقالةُ العثرة وكَظم الغيظ والعفوُ عن الناس كلُّ ذلك يعَدّ من أهمِّ ما حضَّ عليه الإسلام في تعامُل المسلمين مع بعضِهم . ومَن كانت هذه صفَته فهو حري بأن يكونَ من أهل العزَّة والرفعة؛ لأنَّ النبيَّ قال: ( ما نقَصَت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلاَّ عِزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَه) رواه مسلم

قال الامام الشافعي:

لمَّا عفوتُ ولم أحقد على أحدٍ أرحتُ نـفسيَ من هَمِّ العداواتِ

إنِّي أُحيّي عَدوّي عند رؤيته لأدفعَ الـشرَّ عنِّـي بالتَّحيَّات

تعليقات