جريمة القتل والاستخفاف بدماء الشعوب
أما بعد .. حديثنا في هذا اليوم عن أمر عظيم انتشر في كثير من بلاد المسلمين .. فارجع البصر الى فلسطين وافغانستان وبغداد الرشيد وتونس ومصر وليبيا الى غير ذلك من بلاد المسلمين ، لترى استرخاص الدماء والقتل الجماعي ،.. ثم قف معي في جولة سريعة في سجوننا، لترى المئات ممن تورطوا في قضايا قتل، أزهقت بسببها الأنفس لأسباب تافهة ، ومواقف شيطانية عابرة .سبحان الله .. هل أصبح الدم المسلم رخيصاً إلى هذا الحد؟
لن نعجب من عدو كافر يستبيح دماء المسلمين ، فذاك أمر ليس بغريب ولا جديد، ولكن أن يقتل المسلم أخاه ويتورط في دمه بلا حق فتلك والله المصيبة والفتنة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بوقوعها بين يدي الساعة .
ففي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ قَالَ الْقَتْلُ .
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( إن بين يدي الساعة لهرجا، قال قلت يا رسول الله ما الهرج؟ قال القتل فقال بعض المسلمين يا رسول الله إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بقتل المشركين ولكن يقتل بعضكم بعضا ( حتى يقتل الرجل جاره ويقتل أخاه ويقتل عمه ويقتل ابن عمه ) قالوا ومعنا عقولنا يومئذ قال إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء ] صحيح الألباني.
إنها الفتنة يا عباد الله ، إذا أقبلت ضعفت الديانة، وقل التفكر والتعقل، وكثر إعجاب المرء بنفسه ، واتهامه لغيره ومن ثم سرعة إقدامه وجرأته .. وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم (إن السعيد لمن جُنب الفتن إن السعيد لمن جُنب الفتن إن السعيد لمن جُنب الفتن ولمن ابتلي فصبر ) صحيح الألباني .
عباد الله .. لقد عظمت شريعتنا الغراء أمر الدماء .. وبينت النصوص المحكمة عصمة الدم المسلم وتعظيمه، بل جعلت الشريعة حفظ النفس إحدى الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية على حفظها والمحافظة عليها، وهي حفظ الدين ، والنفس ، والعقل ، والمال ، والعرض
والدماء هي أول الحقوق التي يقضى فيها يوم القيامة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء . متفق عليه
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها وذلك لأنه أول من سن القتل) متفق عليه .
يشير (عليه الصلاة والسلام): إلى ما جاء في قصتهما في سورة المائدة {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
ومما يدل على تعظيم الدماء وحرمتها أن قتل المسلمين وقتالهم من موجبات النار ( قال صلى الله عليه وسلم )إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه) متفق عليه
عباد الله: ان المجرم القاتل تُوعد بوعيد عظيم لم يرد مثله في جميع أصحاب الكبائر قال تعالى {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) [سورة النساء 4/93]
عباد الله: أن الكعبة على حرمتها وعظمتها تهون عند حرمة دم الرجل المسلم.(نظر عبد الله بن عمر رضي الله عنه يوما إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة منك) ( حسن )
بل إن ذهاب الدنيا كلها وزوالها أهون عند الله من قتل المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا) صحيح الألباني.
قال ابن العربي رحمه الله : (ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي فكيف بالتقي الصالح) فتح الباري
عباد الله: إن حرمة دم المسلم تستوجب تعذيب أهل الأرض جميعا في النار في حالة لو اتفقوا وتآمروا على قتل مسلم واحد فإنهم يستوجبون العذاب بالنار بذلك الفعل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله تعالى في النار . ) صحيح الألباني
عباد الله: إن المسلم في فسحة من دينه حتى يعتدي على مسلم بالقتل فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا )
ثم قال ابن عمر إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله ) رواه البخاري
أقول قولى هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه
الخطبة الثانية
عباد الله .. إن المتأمل في أحوال سلف هذه الأمة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان يجدهم قد نأو بأنفسهم عن الفتن واعتزلوها وتورعوا عن أذى المسلمين فضلا عن سفك دمائهم وانتهاكها.
عباد الله .. وإذا تبين لنا حرمة الدم المسلم ووجوب تعظيمه وصيانته وعدم التساهل في ذلك فإن الواجب أن نذكر بهذا أنفسنا وإخواننا وأبنائنا ونسائنا لئلا يتساهل أحد في دم أحد عن طريق الاعتداءات التي تحدث بين الناس وتحدث أيضا بين الشباب في كثير من القضايا فيجب أن ننتبه لذلك .والمسلم يجب علية ان يكون متورعا بعيدا عن هذه الأمور محافظا على دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم والمؤمن كله خير وهو كالغيث أينما حل نفع لا يكون الناس منه إلا في أمن وخير والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيّن: أن دم المسلم لا يحل إلا بإحدى ثلاث، : الثّيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة“ [متفق على صحته].
* ”والمقتول ظلماً يجيء بقاتله يوم القيامة ناصيته ورأسُهُ في يده متعلقاً بالقاتل، وأوداجه تَشْخَبُ دماً، يقول: يا ربِّ سل هذا فيما قتلني“ [رواه النسائي بألفاظ، وابن ماجه
تعليقات
إرسال تعليق