القائمة الرئيسية

الصفحات

حوادث السيارات

قال تعالى : [ وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:8} قال العلامة ابن سعدي رحمه الله:{وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ } مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء، التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم، فإنه لم يذكرها بأعيانها، لأن الله تعالى لا يذكر في كتابه إلا ما يعرفه العباد، أو يعرفون نظيره، وأما ما ليس له نظير في زمانهم فإنه لو ذكر لم يعرفوه ولم يفهموا المراد منه، فيذكر أصلاً جامعاً يدخل فيه ( ما يعلمون وما لا يعلمون". (تفسير السعدي 1/436) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ) صحيح الالباني . قال الألباني رحمه الله : إن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بذلك إلى هذه المركوبة التي ابتكرت في هذا العصر ، ألا و هي السيارات .
عباد الله : السيارة نعمة من نعم الله علينا ، تحملنا وتحمل متاعنا إلى حيث شئنا إلى بلد لم نكن لنبلغه إلا بشق الأنفس فهي تقرب البعيد وتختزل المسافات وتدني القاصي وتوفر الجهد والوقت ، بها يصل الإنسان رحمه ويذهب إلى مسجده ويعود مريضه ، يركبها متمتعاً بجو مكيف لا يشتكي الحر والقر ويحمل ما يحتاجه من متاع [وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ] {النحل:7}
عباد الله : إن ما يؤلم النفس أن البعض جعلوا من هذه النعمة نقمة ، فجعلها وسيلة للخلوة المحرمة ، أو سافر بها سفر معصية ، أو تنقل بها رافعاً أصوات الأغاني والموسيقى ، أو جعلها وعاءاً لتهريب وترويج المخدرات . فهذه الصور وغيرها هي من الاستعمال المحرم لهذه النعمة .
لكن من أشد الصور إيلاماً هو ما يتسببه البعض من حوادث مرورية وقتل للأرواح وإيذاء للأبرياء بسبب السرعة الزائدة وعدم التقيد بأنظمة المرور أو التقصير في الأخذ بأسباب السلامة ، فباتت السيارة من أشرس وسائل القتل .
عباد الله : الكثير يتهاون في موضوع السرعة فوق الحد المسموح ، رغم أنها من أسباب الهلاك ، فكلما ازدادت السرعة قلت قدرة السائق على السيطرة عليها والله تبارك وتعالى يقول[وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا] {الفرقان:63} ، ويقول سبحانه [وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولًا] {الإسراء:37} ويقول الله سبحانه وتعالى [وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ] {لقمان:19}

هذه الآيات أمر بأن يمشي الإنسان مشياً معتدلاً ليس بالبطيء المتثاقل ولا بالسريع المفرط، بل عدلًا وسطًاً . ويخطئ من يظن أن هذا الأمر خاص بمن يمشي على قدميه فقط ، بل يشمل من يركب الدابة أو السيارة وغيرها .
بل ان النبي صلى الله نهى عن السرعة في الذهاب الى المسجد كي يدرك الصلاة فقال : ( إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) . والسرعــة تنافي السكينة والوقار . ( متفق عليه )
عباد الله : كم من روح أزهقت بسبب السرعة ، وكم من شاب فقد عافيته بسبب السرعة ، وكم من مشلول ومقعد وأبكم وأعمى بسبب السرعة ، وكم من أسرة فقدت ربها ومن يعولها بسبب السرعة .
عباد الله : إن الذي جعل الإشارة الحمراء علامة على وجوب التوقف ، أراد أن يقول للسائق إن تجاوزها خط أحمر ويعني الموت ، وهذا يغيب عن بال الكثيرين وخاصة الشباب الذين يتجاوزون الاشارة الحمراء معرضين أنفسهم والآخرين إلى الموت . ولذا أفتى العلماء بحرمة قطع إشارة المرور عمداً،
عباد الله : ما أجمل أن يستشعر سائق السيارة نعمة الله عليه إذ سخر له هذه المركبة ليقضي بها حاجاته ، ولذا شرع لمن يركب الدابة أو السيارة أن يحمد الله على هذه النعمة فرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) صحيح الألباني
فاستشعار السائق نعمة ربه عليه إذ منَّ عليه بهذا المركب ، يحجزه عن تعريض حياة الناس وممتلكاتهم للخطر؛ لأن ذلك من كفران النعمة، والاستهتار بقيمتها . اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية :
عباد الله : إن المتأمل يدرك أن الأمة تتعرض في حياتها لمتاعب ومشقات بعضها هين يسير وبعضها ثقيل عسير، ولكن الكيان يتزلزل حين تسترخص الدماء وتزهق الأرواح. فالحفاظ على الأرواح من أغلى المطالب إن لم يكن أغلاها ، فكلنا يدرك أنَّ الحوادث قد ازدادت وتزداد يوما بعد يوم فيا أخي، تفكر في تلك الحوادث وضخامتها، إنها خسارة فادحة على الأمة الإسلامية أن تفقد هذه الأعداد الهائلة من الأنفس، فحينما تتحول النعمة عند قوم إلى نقمة ، وتصير أداة الخير سبيلاً إلى الهلاك والإعاقة وبتر الأعضاء فهذا مخالف لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله .
عباد الله : إن حوادث الطرق حرب مدمرة بمعدات ثقيلة تنزف بها الدماء وتستنزف فيها الثروات، حرب معلنة ليس فيها إلا كاسب واحد، هو الإهمال وضعف التربية ونقص الوعي والتخلي عن المسؤولية.

تعليقات