ملعونون بين أظهرنا قاطع الرحم
عباد الله، داء فينا انتشر وظهر، وبلية قد زاد عدد أفرادها ، لم يسلم من هذا الداء من يشار عند الناس بالبنان والصلاح. إنه داء ولربما يوجد في هذا الجمع من أُصيب به، داءٌ يسري سريان النار في الهشيم.قَائِدُهُ إبْلِيسِ، صَاحَبَهُ قَدْ يَأْتِي لِلْجُمْعِ والجماعات مبكراً وفي الصفوف الأُول لكنه ملعون.
صَاحَبَهُ قد يبذل الصدقات ويكثر الصيام والقيام لكنه ملعون, صَاحَبَهُ لربما يحج كل عامٍ ويعتمر بين فينةٍ وأخرى لكنه ملعون. يقرأ القرآن والقرآن يلعنه ، أَتُرى أيكون هذا الرجل من بيننا وهو مطرود الرحمة من الله.
أيكون هذا الرجل من بيننا وقد لعنه الله ، نستغفر الله ونتوب لربنا فإن رحمة الله لا تتنزل علينا كما ورد وفينا هذا الرجل.
الدعاء قد لا يستجاب لنا إذا دعونا وسببه هذا الرجل وداؤه ، إنه رجلٌ ممحوق البركة لأن الله قد لعنه .إنه رجل يمشي في أرض الله وهو ملعون أعماله لم ترفع لله لأن الله قد طرده ، إنه رجل قد ركبه الشيطان فصار من أنصاره وأحزابه.
أتعلمون عباد الله من هذا الرجل الملعون بين أظهرنا، أتعلمون عباد الله ما هذا الداء الذي من استباحه واستحله واعتقدة فقد كفر، إنه يا عباد الله قاطع الرحم.
عباد الله: الرحم هي القرابة من جهة أبيك وأمك التي يجب عليك صلتها، ولقد حذر الله من قطيعة الرحم وتوعد على ذلك بأشد الوعيد، ورتب على ذلك خسران الدنيا والآخرة، ثبت في البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَهُوَ لَكِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) البخاري ومسلم
عباد الله : قاطع الرحم مفسدٌ في الأرض بعد صلاحها، ملعون في كتاب الله في مواطن ومواضع كثيرة ذلك القاطع حَقت ووجبت عليه لعنة الله، سلبهُ الله الانتفاع بسمعه وبصره، فهو يسمع دعوة الله ويبصر آياته وبيناته، فلا يجيب دعوة الله، ولا ينقاد للحق كأنه لم يسمع النداء ولم يبصر الآيات ولا البينات.كأنَ الرحم عباد الله هربت من قومٍ يريدون ذبحها، يريدون قطعها، فاستجارت بالله، وتعلقت بقوائم عرش الرحمن فأنصفها الله وأعاذها واستجارها بقول " أما ترضين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك " قال الله: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققتُ لها شَجْنَةٌ من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته.
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد:25:
قال تعالى : ( وما يضل به إلا الفاسقين الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة:27) . فقد جعل الله من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين قطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك صلة الأرحام .
عباد الله: قاطع الرحم منزوع البركة معجل العقوبة فعن أبي بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ ذَنْب أَجْدَر أَنْ يُعَجِّل اللَّه لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَة فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِر لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ الْبَغْي وَقَطِيعَة الرَّحِم) صحيح الألباني
ومن أعظم العقوبات التي يُعاقب بها قاطع الرحم أن يحرم من دخول الجنة ، فقد قال رسول صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة قاطع (قال سفيان يعني قاطع رحم ".( ( متفق عليه )
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثةٌ لا يدخُلون الجنة: مُدمِنُ الخمر، وقاطِعُ الرَّحِم، ومُصدِّقٌ بالسِّحر»؛ ( صحيح لغيره )
عباد الله : كيف تكون قطيعة الرحم قال العلماء: تكون صلة الرحم بالزيارة، وتكون بتلبية الدعوة، وتكون بتفقد الأحوال، وتكون بالإكرام، وتكون بالهدية، وتكون بالتصدق على الفقراء من الأقربين، وتكون بعيادة مرضاهم، وتكون بمشاركتهم أفراحهم، وتكون بمواساتهم في أحزانهم، وتكون بقديمهم على غيرهم في كل أمر هم أحق به، بسبب قرابتهم، ثم تكون وهذا تاج الصلة بالرحم، بدعوة هؤلاء إلى الله والأخذ بهم إلى مرضاته. وعكس ذلك يكون قطيعة الرحم
عباد الله: إن صِلةَ الرَّحِم حقٌّ طوَّقَه الله الأعناق، وواجبٌ أثقلَ الله به الكواهِل، وأشغلَ به الهِمَم. وقد أكَّد الله على صِلَة الأرحام وأمرَ بها في مواضِع كثيرة من كتابه، فقال تعالى: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾ [الإسراء: 26].
عباد الله : إن صلة الأرحام مما أمر الله بها، ووصى بها عباده المؤمنين، وحث عليها، وبيّن ما يترتب عليها من خير الدنيا والآخرة فهي بركة في الأولاد والمال والأعمار، ومرضاة لله -تبارك وتعالى- وهي سبب من أسباب دخول الجنة في الآخرة. رواه البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صِلَة الرَّحِم مَحَبَّة فِي الْأَهْل ، مَثْرَاة فِي الْمَال ، مَنْسَأَة فِي الْأَثَر ) ( صحيح )
فكان من أوائل الأمور التي أمر بها صلى الله عليه وسلم مع إشراق شمس الرسالة، وبداية الدعوة: أنه كان صلى الله عليه وسلم يأمر بالصلة ففي حديثِ عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيها الناس! أفشُوا السلامَ، وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نِيام؛ تدخُلُوا الجنةَ بسلامٍ»؛ رواه البخاري
وصِلَةُ الرَّحِم لها خاصِّيَّةٌ في انشراحِ الصدر، وتيسُّر الأمر، وسَماحة الخُلُق، والمحبَّة في قلوب الخلق، والمودَّة في القُربَى، وطِيبِ الحياة وبركتها وسعادتها. فعن أبي بَكْرة قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أعجلَ البرِّ ثوابًا لصِلَة الرَّحِم، حتى إن أهلَ البيت ليكونون فَجَرة فتنمُو أموالُهم، ويكثُر عددُهم
تعليقات
إرسال تعليق