القائمة الرئيسية

الصفحات

بدعة الاحتفال بعيد المولد

أما بعد عباد الله :ـأن من أعظم نعم الله على الناس بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، بعثه الله على حين فترة من الرسل ، فهدى به إلى أّقّوم الطرق، وأوضح السبل وافترض على أهل الأرض طاعته، والواجب على كل مسلم نحو هذه النعمة العظيمة أن يشكر الله تعالى عليها بالتمسك بها والجهاد في سبيلها والمحافظة عليها وذلك باتباع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه، لأن الخير كل الخير في اتباعه وطاعته ومحبته ، كيف لا وطاعته طاعة لله ومحبته محبة لله قال تعالى{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ } 31 آل عمران
فكل عمل يعمله العبد لا بد أن يكون متابعا فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والا فعمله مردود عليه كما قال صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أي مردود ذلك العمل على صاحبه.
عباد الله لما كانت الأمة الإسلامية حريصة على تنفيذ شرع الله متمشية في عباداتها ومعاملاتها وسياستها على ما كان عليه قائدها وهاديها محمد صلى الله عليه وسلم، لما كانت الأمة الإسلامية على هذا الوصف كانت هي الأمة الظاهرة الظافرة المنصورة ، ولما حصل فيها ما حصل من البدع والانحراف عن هذا السبيل تغير الوضع فجعل بأسهم بينهم وسلط عليهم الأعداء وكانوا غثاء كغثاء السيل فتداعت عليهم الأمم وفرقتهم الأهواء ولن يعود لهذه الأمة مجدها الثابت وعزها المستقر حتى تعود أفرادا وشعوبا إلى دينها الذي به عزتها وتطبيق هذا الدين قولا وعملا وعقيدة وهدفا على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وإن من تمام تطبيقه أن لا يشرع شيء من العبادات والمواسم الدينية إلا ما كان ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الناس إنما أمروا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء فمن تعبد لله بما لم يشرعه الله فعمله مردود عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » .
عباد الله في مثل هذا الشهر تمر بدعة ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه البدعه تتكرر في كل عام في مثل هذه الأيام ، فبدعة المولد النبوي ، يجتمعون في الليلة الثانية عشرة منه في المساجد أو في البيوت فيصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بصلوات مبتدعة ويقرؤون مدائح للنبي صلى الله عليه وسلم تخرج بهم إلى حد الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه ، ولا عمله الخلفاء الراشدون ولا الصحابة ولا المسلمون في القرون الثلاثة المفضلة ولا التابعون بإحسان ولو كان خيرا لسبقونا إليه .
عباد الله  إن بدعة عيد المولد التي تقام في شهر ربيع الأول في الليلة الثانية عشرة منه ليس لها أساس من التاريخ لأنه لم يثبت أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلك الليلة وقد اضطربت أقوال المؤرخين في ذلك فبعضهم زعم أن ولادته في اليوم الثاني من الشهر وبعضهم في الثامن وبعضهم في التاسع وبعضهم في العاشر وبعضهم في الثاني عشر وبعضهم في السابع عشر وبعضهم في الثاني والعشرين فهذه أقوال سبعة ليس لبعضها ما يدل على رجحانه على الآخر فيبقى تعيين مولده صلى الله عليه وسلم من الشهر مجهولا إلا أن المجمع عليه انه في يوم الاثنين من ربيع الأول . وإذا لم يكن لبدعة عيد مولد النبي صلى الله عليه وسلم أساس من التاريخ فليس لها أساس من الدين أيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها ولم يأمر بها ولم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة » ولهذا عباد الله لم يكن تحديد مولد النبي صلى الله عليه وسلم محل عناية السلف، ولا موضع اهتمامهم ، لذلك اختلفوا في تحديد يوم مولده وسبب اختلافهم أن الأمة الإسلامية كانت أمية لا تكتب ولا تحسب وإنما يحسبون بالنجوم والفلك.
فجمهور العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول

عباد الله: أما وفاته صلى الله عليه وسلم فهي محل اتفاق بين أهل العلم حيث توفى صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة النبوية، وعلى هذا يقال للمحتفلين بالمولد النبوي إن احتفالكم في يوم الثاني عشر من ربيع الأول إساءة أدب وجفوة للرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم في الحقيقة يحتفلون بموته صلى الله عليه وسلم، وعلى فرض أنه ولد في الثاني عشر من ربيع الأول فصاحب العقل السليم يدرك أن الفرح في تلك الليلة بمولده ليس بأولى من الحزن على وفاته صلى الله عليه وسلم فإن الأمة ما أصيبت بأعظم من فقده صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلمون: إن أول من سن وابتدع الاحتفال بالموالد هم الرافضة ملوك الدولة الفاطمية التي انتسبت كذباً وزوراً إلى فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، ففي القرن الرابع الهجري ابتدع الخليفة الفاطمي العبيدي فكرة الاحتفال بالموالد، واحدث مع المولد النبوي أربعة موالد أخرى: لعلي، و لفاطمة، وثالث للحسن والحسين ورابع لمن يحكم من العبيديين، ثم توسعوا في إحداث الموالد. وهذه الدولة يرى بعض العلماء -ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- أنها تنحدر من أصل يهودي أو مجوسي، ولم تعرف الأمة هذا الموالد قبل هذه الدولة فهل هي أهلُ للإقتداء بها.
وَإِحْدَاثُ مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَالِدِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- لَمْ يُكْمِلِ الدِّينَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبَلِّغْ مَا يَنْبَغِي لِلْأُمَّةِ أَنْ تَعْمَلَ بِهِ، حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَأَحْدَثُوا فِي شَرْعِ اللهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

الخطبة الثانية
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ هَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ، وَحَذَّرَنَا مِنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُ هَدْيَهُ وَطَرِيقَتَهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ".

واعلموا أن الذين يقيمون هذه البدعة وغيرها من البدع ينقسمون إلى ثلاثة أقسام

القسم الأول :ـ جهلة مقلدون كالذين قال الله عنهم { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} (23) سورة الزخرف

والقسم الثاني :ـ مرتزقة فساق يريدون التأكل بها وإشباع شهواتهم من ورائها

والقسم الثالث:ـ ضلال مغرضون يريدون الدس على الإسلام وصرف الناس عن السنن واشغالهم بالبدع هكذا قسمهم بعض أهل العلم وقد يضاف إليهم قسم رابع وهم الذين يأتون إلى هذه البدعة على حسن نية ويظنون أن حضورها والاشتراك فيها من الخير فهؤلاء يلامون ويعاتبون

ويقال لهؤلاء إن كنتم تريدون ببدعتكم هذه إحياء ذكره صلى الله عليه وسلم فلقد تكفل الله بهذا وأحيا أمره ورفع ذكره فلا أذان يؤذن ولا إقامة تقام ولا خطبة تخطب ولا صلاة تصلى إلا ويمر ذكره صلى الله عليه وسلم

إذن فما فائدة إقامة ذلك الاحتفال إذا كان ذكره صلى الله عليه وسلم يمر في كل ساعة وفي كل لحظة

عِبَادَ اللهِ : إِنَّ قَلِيلَ الْعَمَلِ مَعَ السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مَعَ الْبِدْعَةِ، ، وَلَا يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ أَنْ يَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ مِنَ النَّاسِ ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ لَا يُعْرَفُ بِكَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ]

فالبعض قد يدخله الشك ويقول لو كان منكر ما فعله الناس كلهم فيقال: إن فعل الكثير من الناس لا يدل على أنه حق بل قد ذم الله سبحانه الكثرة في القرآن فقال سبحانه: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنعام: 116]

تعليقات