مسؤولية الأسرة تجاه الخاطب
أما بعد فإن دين الإسلام من أكمل الأديان السماوية وأعظمها وأتمها فما من خير إلا دل عليه ورغب فيه ورتب على ذلك الأجر والثواب وما من شر إلا نهى عنه وحذر منه ورتب على ذلك الوزر والعقاب فتشريعاته صالحة لكل زمان ومكان على اختلاف طبقات الناس وأجناسهم وإن مما حرص عليه الإسلام وشدد فيه أمره ا لمسؤولية لما يترتب على حفظها من الصلاح والإصلاح وعلى تضييعها من الفساد والإفساد قال صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) أخرجه الشيخانوسيكون الكلام إن شاء الله فيما يتعلق بمسؤولية الوالد في بيته مع أولاده وبالتحديد فيما يتعلق بقضية تزويج ابنته أو بناته وموقف الوالد تجاه الخاطب .
واطرق هذا الموضوع لأسباب كثيرة منها
أولا: انطلاقا من قول النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة
وثانيا: لأنه اللبنة الأولى في بناء أسرة جديدة
وثالثا: لأنه أول لبنة يضعها الولي لبيت ابنته فإن اجتهد برئت ذمته وإلا فقد لوث ذمته بالإثم ورابعا: لعموم البلوى بتفريط كثير من الأولياء في أمر الخاطب مما يترتب عليه تفرق أسر وتشتتها فكم سمعنا عن أسر تم عقد الزواج والترابط بينهما ثم لا تلبث الأيام اليسيرة حتى ينحل ذلك العقد وينقلب الترابط إلى تفرق فترجع الفتاة إلى بيت أبيها كسيرة حسيرة ثم تجلس في انتظار الطارق الآخر وقد يطول الزمن بها بل قد يعزف الخطاب عنها وبكل حال فلو بحثنا عن سبب ذلك التفرق فلربما يتحمل الولي جزءا كبيرا منه ، لهذا وذاك كان لزاما علينا أن نطرح هذا الموضوع في مجالسنا ومساجدنا لنعرف مكمن الخلل فنتقيه.
فيقال لمعالجة تلك القضية نحتاج جميعا إلى معرفة أمور أساسية لا بد من طرحها على مسامعنا ليعرف كل واحد منا مدى قيامه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه فإن كان قائما بها فليحمد الله على ذلك ويسأله المزيد من فضله وإن كان مقصرا فليتق الله وليبادر إلى إصلاح تقصيره ، وللدخول في صلب الموضوع يقال إن ذمة الوالد لا تبرأ من الإثم حتى يخلص النصح لابنته ويدور محور الكلام في هذا حول ستة أمور
الأمر الأول اختيار الزوج الصالح لابنته ومما ينبغي ذكره عند هذا أن بعض الآباء إذا تقدم الخطاب إلى بيته أصم أذنيه وأغمض عينيه عن كل أحد إلا عن قريب له كائنا ما كان صالحا أو طالحا تقيا أو شقيا لا يهمه ذلك كله إنما همه الأول والأخير أن يكون المتقدم لابنته قريبا في النسب وهذا والله من الظلم كيف يجعل ابنته وقفا على ابن عم أو قريب لها بغض النظر عن صلاحه وحسن سيرته ، وبأي حق تبقى تلك المسكينة وقفا موقوفا على فلان أو فلان أيا كان شأنه فيا أيها الولي اتق الله تعالى في نفسك وفي ابنتك فكم من شر وبلاء قد حصل بين الزوج وزوجته وكان من أسباب ذلك جناية الوالد على ابنته في كونه اختار لها زوجا لم يرع فيه صفات الصلاح من غيرها واعلم رعاك الله أن اختيار الخاطب مسئوليتك في الدرجة الأولى فأن أمرها بعد الله في يدك أنت فبموافقتك أنت ستعيش معه على أحر من الجمر أو على أحلى من التمر فعليك بتقوى الله والإخلاص في النصح لها واختيار من تتوسم فيه الخير والصلاح.
أما الأمر الثاني فهو استشارة الفتاة في خطيبها وعدم إجبارها فعليك أيها الولي أن تستشير ابنتك في خطيبها هذا إذا كان المتقدم مرضي السيرة أما إذا كان سيئ السيرة والسمعة فلا مرحبا به ولا كرامة بل إن من تمام المسؤولية عدم استشارتها في أمره ويجب عليك أن تصرف ذلك الخاطب عنها .
إذن فمن تمام المسؤولية أن تشاور ابنتك ولا تلزمها ولا تقل تلك عادات وأمور اعتدنا عليها فإن الظلم ظلمات يوم القيامة قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد وأنه إذا امتنع لا يكون عاقا.
أما الأمر الثالث البحث عن زوج صالح لإبنته في حالة عدم مجيء أحد أو مجيء من لا يصلح
أما هذا الآمر قد يكون غريبا على بعضنا بل مستشنعا عند آخرين وقد يعيبه آخرون ولكن الحق أحب إلى الجميع إن شاء الله قد يترك بيت من بيوت المسلمين لا يطرقه خاطب وقد يكون في ذلك البيت فتاة أو أكثر شاهد القول أن تلك الفتاة قد تمكث زمانا ولم يتقدم إليها أحد أو يتقدم لها من لا يصلح فتتعذب المسكينة في داخلها لكن جلباب الحياء يمنعها من إظهار ذلك
أيا ترى وفي مثل هذه الحال هل يمكن للوالد أن يقوم بشيء في مصلحة ابنته وجواب ذلك نعم يمكنه ذلك ويؤجر عليه بل وله سلف في ذلك ، ولا يقولن قائل هذا من العيب ( أو آلي بدلل على بضاعته بترخص ) بل إن شاء الله هذا من الخير ولا تقل هذا من العيب وإنه يخالف الشيم والمروءة دع عنك هذا واسمع إلى ما قاله الإمام البخاري رحمه الله في الصحيح قال رحمه الله تعالى باب عرض الرجل ابنته أو أخته على أهل الخير ثم ساق خبرا فيه أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عرض ابنته حفصة رضي الله تعالى عنها على عثمان رضي الله عنه فلم يرغب ثم عرضها على الصديق رضي الله تعالى عنه فلم يرغب فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت باب التشريف وسميت بأم المؤمنين رضي الله تعالى عنهن أجمعين ، وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله ليس من العيب أن يبحث الرجل عن زوج صالح لإبنته أو أخته .
الأمر الرابع النظر إلى المخطوبة وهذا الأمر يعده بعض الناس عارا وشنارا وعيبا بل إن بعض الآباء عنده استعداد تام لأن تبقى ابنته أيما طيلة حياتها دون أن يتنازل عن رأيه وإصراره طرفة عين بل ويشنع على من رخص للخاطب أن يرى مخطوبته ويعد ذلك من العيب ولهذا وأمثاله يقال إن هذا الأمر مشروع في السنة بل وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما قال إذا خطب أحدكم امرأة فلينظر إليها وقد جاء بيان الحكمة من النظر في قوله صلى الله عليه وسلم فإنه أحرى أن يؤدم بينهما يعني أن يتفقا نفسيا وتتآلف قلوبهما بل وإن تعجبوا فعجب الشارع الحكيم حث على النظر إلى المخطوبة حتى ولو لم تعلم به المخطوبة قال صلى الله عليه وسلم كما في بعض الروايات فلينظر إليها وإن كانت لا تعلم بذلك
الأمر الخامس السؤال والبحث عن حال الخاطب وهذا من المسؤولية بمكان عظيم فبعض الأولياء قد يتقدم إلى ابنته خاطب لم يكن له عنه سابق علم أو معرفة فيكتفي ببحث يسير أو معرفة عامة عن ذلك الخاطب وهذا لا يكفي في هذا المقام بل عليك أيها الولي أن تتحرى وتسأل حتى يتبين لك حاله أتم بيان فإما تقبله براحة أو ترده بقناعة ولا بد أن يقال في هذا المقام إن بعض الأولياء من كبار السن يكتفي بسؤاله لأصحابه وجلسائه أي أصحاب الولي نفسه والغالب أن كبار السن لا يحيطون بأمور الشباب و شؤونهم كما يعرف الشباب بعضهم بعضا ولذا فإن عليك أن تتحرى فيمن تسأل فاسأل إمام المسجد أو أحد جماعة المسجد عن مدى محافظة الخاطب على الصلاة أولا ثم سل عن سيرته غير واحد من الناس ، وفي المقابل ليتق الله أولئك الذين يسألون عن الخاطب وليعملوا أن ذلك السائل قد جعل تزويج ابنته متوقفا على كلامهم وحكمهم فليصدقوا القول وليخلصوا النصح للسائل فيخبروه بما يعرفون مما يرغبه فيه أو ينفره عنه ( ولكن في هذا الزمان قل تقوى الله عند كثير من الناس إلا من رحم الله ، فإذا سئل الخاطب اقرباء المخطوبة عن سيرتها ، أو إذا سئل أهل المخطوبة اقربا الخاطب عن سيرته فهؤلاء الأقرباء من كلا الطرفان وضعوا ما وضعوا في أمرهما غيرة وحسدا وكرها وظلما حتى يبتعد الطرفان عن بعضهما فنقول لهؤلاء اتقوا الله ) أخرج مسلم في صحيحه أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله خطبني معاوية وخطبني أبو جهم وهي تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الرجلين وأيهما أولى فقال صلى الله عليه وسلم أما معاوية فرجل ترب خفيف الحال لا مال له وأما أبو الجهم فضراب للنساء وفي رواية فلا يضع العصا عن عاتقه فأبدى لها صلى الله عليه وسلم حقيقة الرجلين ثم قال صلى الله عليه وسلم مشيرا عليها ولكن عليك بأسامة بن زيد
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الأمر السادس من براءة الذمة أن يخبر الولي الخاطب بما يكون في تلك المخطوبة من الأمور التي قد تحل عقد الزوجية إذا علم بها الزوج وذلك مثل العيب الخلقي الواضح أو المرض الخطير أو ما يكون من الأمور التي لو كانت في الخاطب وأخفاها عليك ثم علمت بها أيها الولي لسارعت بفسخ عقد النكاح وأنت أيها الولي في مقام الأمانة في كلامك للخاطب فلا تخف عليه شيئا سيعلم به بعد الزواج فيترتب عليه هدم بيت الزوجية بل إن كتمك لما في ابنتك من الأشياء المنفرة عنها يعتبر من الخيانة كما ( قال صلى الله عليه وسلم من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه ) صحيح الألباني
تعليقات
إرسال تعليق