ارتفاع الأسعار
عباد الله : لا يخلو مجلس من مجالسنا ولا حديث من احاديثنا في هذه الأيام إلا ويدور حول موضوع هام ظهر واستمر في ازدياد مطرد حتى أصبح خطرا داهما وكابوسا مزعجا لجميع فئات مجتمعنا على اختلاف مستوياته ، إنه كابوس الغلاء وارتفاع أسعار و السلع التي لا غنى للناس عنها ، فالأسعار بدأت تشتعل ارتفاعا وتزداد صعودا ولا يثبت لها حال في كل يوم سعر زائد وثمن مرتفع حتى أصبح تامين متطلبات البيوت يشكل هاجسا مخيفا لدى الكثير من الناس والناس في حيرة من أمرهم فظاهرة الغلاء ليست حكرا على صنف معين بل شملت كل شيء الطعام والشراب واللباس وإيجارات البيوت كذلكعباد الله : إن من العقوبات الربانية التي يسلطها الله على بعض خلقه ويرسلها عليهم غلاءَ الأسعار وارتفاعَ قيم الأشياء وزيادتَها عن المعتاد، ولأجل ذلك كان النبي


عباد الله ـ ان ما يعاينه الناس في هذه الأيام من استعار الأسعار واشتعالها وغلاء الأثمان وارتفاعِها لا بد لة من أسباب . فما هي أسبابُ ارتفاع الأسعار؟ -:
قد يكون وراء ذلك أسباب اقتصادية أو أسباب أخلاقية أو غيرُها من الأسباب، إلا أن السبب الأعظم الذي تنتج عنه الشدائد والمصائب والقحطُ والغلاء والفتنُ والبلاء
أولاً: كثرة الذنوب والمعاصي، وبُعد الناس عن دينهم، وهي من أهم الأسباب التي أظهرت هذا الوباء العظيم، كما قال الله تبارك وتعالى:




ثانياً: حب المال وتلاعب التجار والمحتكرين بالسلع التي يحتاج إليها الناس ، فحب المال والحرص على كسبه بأي طريق حتى ولو كان عن طريق الحرام أمر مشاهد للجميع، فعندما يقلّ الطعام يكثر عليه الطلب، ويزيد سعره، وتتاح لضعاف النفوس من التجار وغيرهم فرصة التحكّم في أسعاره يقول النبي صلى الله علية وسلم : "من يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع". رواه مسلم.
عباد الله : بعد أن عرفنا هذه النصوص الكريمة فكيف يستغرب الغلاء وأصناف الأطعمة تجمع في المناسبات وغيرها فوق الحاجة ثم يكون مصيرها إلى النفايات؟ أم كيف يستغرب الغلاء وقد كثر الربا والزنا و ضيعت الصلاة وتركت الزكاة وشربت الخمور وقطّعت الأرحام وانتشرت الموسيقى والمعازف وكثر الجهل وتُرك الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكر؟
إنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وإن لنا في سير الغابرين عبرةً وذكرى، فهؤلاء آل فرعون ابتلاهم الله بالسنين والمجاعات ونقصِ الثمرات لعلهم يذكرون، لكنهم عصوا واستمروا في طغيانهم يعمهون، فأرسل الله عليهم الطوفان الذي يغرق أشجارهم، والجراد الذي يأكل ثمارهم، والقمّل الذي يؤذيهم ويزعجهم، والضفادع التي تملأ أوعيتهم ويجدونها على فرشهم وملابِسهم، والدم فإذا أراد أحدهم أن يشرب ماءً انقلب دمًا، فلا يشربون إلا دمًا ولا يطبخون إلا في دم، ولم يزجرهم ذلك عن معصية الله، بل استكبروا في الأرض وكانوا قومًا مجرمين، فانتقم الله منهم وأغرقهم في اليم بأنهم كذبوا بآيات الله وكانوا عنها غافلين.
وهؤلاء قوم سبأ في اليمن أنعم الله عليهم بالأرزاق الكثيرة، وساق عليهم النعم الوفيرة، وجعل لهم جنتين عظيمتين يأكلون من ثمارهما المتنوعة من غير كدّ ولا تعب، لكنهم أعرضوا وكفروا بأنعم الله فانتقم الله منهم وأرسل عليهم سيلاً عَرِمًا شديدًا، وجعلهم أحاديث للناس،


هذه سنة الله في الأمم السابقة.
عباد الله: جاء في الأثر أن الناس في زمن الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جاءوا إليه وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللحم فسعِّرْه لنا، فقال: أرْخِصُوهُ أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر، واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة، فتقول: أرخصوه أنتم! وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال قولته الرائعة: اتركوه لهم. فدلهم -رضي الله عنه- إلى طريقة سديدة لمعالجة سعر هذه السلعة وذلك بتركها، فهل يعي المسلمون ذلك ويتركوا ما غلا سعره إلى ما هو دونه كي يعلم هؤلاء المحتكرون أن الناس يمكنهم ترك سلعتهم فيرخصونها؟.
بل إن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يطرح بين أيدينا طريقة أخرى في مكافحة الغلاء وهي إرخاص السلعة عبر إبدالها بسلعة أخرى؛ فعن رزين بن الأعرج مولى لآل العباس قال: غلا علينا الزبيب بمكة فكتبنا إلى على بن أبى طالب بالكوفة أن الزبيب قد غلا علينا, فكتب أن أرخصوه بالتمر. أي: استبدلوه بشراء التمر
عباد الله: إِذا نظَرنَا بِعقلٍ وبَصيرةٍ وَجَدنا للمُغالاةِ في الأسعار آثارًا سيِّئةً على الفرد والمجتمع، فقد يعجز الفقير عَن شِراءِ ما لا غِنى له عنه، وقد يتحمَّل آخرون ديونًا يعجَزون عن أدائها، وتكثر الضغوطُ الاجتماعيّة والاقتصادية والنفسيّة، ويلجأ البعضُ إلى طرق غير مشروعة للحصول على المالِ وتوفير ما يحتاجون، وحينها لا يُبالي ضعيفُ الإيمان أمِن حَلال أخَذ المال أم من حرام، وتَنشَأ الأنانيّة والشحُّ والبخل، وتتعمَّق الفجوة بين الناس، وتنقَطِع الصِّلات؛ فينبغي للمسلم أن يكونَ ذا شفَقَة وعَطف وإحسانٍ، وقد حثَّنَا الشارِعُ الحكيم على المسَامحَة في المعاملة، قال رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- رحِم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشتَرى وإذا اقتَضَى". أخرجه البخاريّ.اقول ما تسمعون واستغفر الله
الخطبة الثانية.
عباد الله: يتساءل الكثير من الناس عن الحل لمواجهة سعار الأسعار ومعالجتها للحد من انتشارها, عباد الله : أن أول الحلول التي يُدفع به الغلاء ويرفع به البلاء هو الرجوع إلى صاحب الحلول فلنرجع إلى ربنا ونحاسب أنفسنا بالتوبة إلى الله عز وجل، فإنه ما رفع بلاء إلا بتوبة، وإن التوبة هي سبب نزول البركات كما أن المعاصي هي سبب القحط والغلاء، كما قال الله سبحانه )وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ

وليحذر التجار من الجشع والطمع والأنانية، وليرحموا الفقراء واصحاب الحاجة ، وليجعلوا غلاء الأسعار فرصةً للإحسان إلى الناس، وسيجدون بركةَ ذلك في أموالهم وأحوالهم
ومن الحلول الناجعة حيال هذه الأزمة التروي والتعقل عند الشراء فلا تشتري إلا ما أنت في حاجته الية لأن الكثير من الناس يصاب بحمى الشراء عند دخوله السوق فتجد أن مشترياته الكمالية أكثر بكثير من الأشياء الأساسية والضرورية
ومن الحلول أيضا أن يكون للرجل دورا هاما في المشتريات وأن يسأل لماذا هذا ولماذا كل هذا, لأن البعض يسلم الأمر للمرأة ولا يسألها عن شيء أو يحاسبها على شيء.
عباد الله : إن على الدولة مسؤولية عظيمة تجاه هذه الأزمة الطاحنة، تتمثل في ضبط تغول التجار وافتراسهم للمواطنين بزيادة الأسعار دون رقيب أو حسيب، فيجب على الجهات المختصة أن تنفض التراب عن نفسها وتشدد الرقابة على حركة الأسعار عند كبار التجار وغيرهم
عباد الله : إن شكر النعمة سبب لدوامها، ونحن لا زلنا -بحمد الله- في نعم وخيرات ومستوى من الأمن لا يوجد في كثير من البلدان، فيجب أن نشكر الله على ما نحن فيه، وأن نلجأ إلى الله أيضًا بأن يرفع عنا ما أصابنا بسبب ذنوبنا
تعليقات
إرسال تعليق