القائمة الرئيسية

الصفحات

حفظ اللسان

عباد الله: لقد كرم الله تعالى بني آدم؛ وميزهم بنعمة العقل والبيان، فحقُ هذه النعمة أن تُشكر ولا تُكفَر، وإن اللسان من أعظم الجوارح أثرًا، وأشدها خطرًا، فإن استُعمل فيما يُرضي الخالق؛ وينفع المخلوق كان من أكبر أسباب السعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة، وإن استعمل في غير ذلك ألحق بصحابه الأوزار والأضرار، ولأجل ذلك اعتنى الإسلام بأمر اللسان، فقال جل وعلا (ِإذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) فكُلُّ نفَسٍ معدود، وكل لفظ مكتوب فقل ما شئت، وتحدِّثْ بما شئت واعلم أن هناك مَن يراقبك و يعدُّ عليك الألفاظ عدا.
عباد الله: لقد أمرنا الله تعالى أن نختار الكلمة الطيبة التي تسلك بنا سُبُل الهدى، وتجنبنا سبل الردى فالكلمة الطيبة تنتج الثمار الصالحة لذلك شببها الله سبحانه وتعالى بالشجرة الطيبة قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ، وكما أن الإسلام حث على طيب الكَلِام فقد حذّر ونبه من سوء الأدب وبذاءة اللسان، وقد شبّه الله تعالى الكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة التي لا تستند على أساس من الصحة، بل هي قائمة على الكذب والغش والتزوير، قال تعالى: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) ، وقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم الكفّ عن أعراض الناس من جوهر الإسلام فقال صلى عليه وسلم: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» وجاء في وصية النبي لمعاذ بن جبل رضي الله عنه في الحديث الذي أوصاه فيه بأركان الإسلام، ومستحباته، ثُمَّ قَالَ له بعد ذلك: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ»؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا»، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» وقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَن يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".

عباد الله: الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه يوجب قساوة القلب. فقال صلى الله علية وسلم " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله. فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي ". وقال عمر رضي الله عنه: من كثر كلامه كثر سقطه. ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به. فاللِّسان ترجمان القلب، وخزانة الأسرار، كما قيل:

إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَقُ
عباد الله: يقول ابن القيم رحمه الله: "وفي اللسان آفتان عظيمَتان، إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى: آفة الكلام، وآفة السكوت، وقد يكون كلٌّ منهما أعظمَ إثمًا مِن الأخرى في وقتِها، فالساكت عن الحق شيطانٌ أخرسُ عاصٍ الله، والمتكلِّم بالباطل شيطانٌ ناطقٌ عاصٍ لله، وأكثر الخلق منحرفٌ في كلامه وسكوته؛ فهُم بين هذين النوعين، وأهل الوسط هم أهل الصراط المستقيم كَفُّوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم بالنفع في الدنيا والآخرة. اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم
عباد الله: إن اللسان عضو صغير، سريع الحركة، من عوده على الخير سار عليه وأنكر سواها، ومن عوده على الألفاظ السيئة سار عليها واستنكر غيرها.
وإن الأسلوب الأمثل في تطهير اللسان من آفاته هو الأسلوب النبوي الشريف، فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم- قاعدة نسير عليها، ونتقي بها ما لا يليق من الأقوال والألفاظ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت". فالْزَم الصمت؛ فإن فيه السلامة، وتجنَّبِ الكلام الفارغ؛ فإن عاقبته الندامة :

احْذَرْ لِسَانَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ لاَ يَلْدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعْبَانُ

كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَهُ الفُرْسَانُ

تعليقات