القائمة الرئيسية

الصفحات

الابتلاء بالمرض

أما بعد: إن من حكمة الله تعالى أن يبتلي عبده المؤمن بأنواع البلاء، ومن هذا الابتلاء الذي يُبتلى به المرض، قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 41، 44].
قال ابن كثير - رحمه الله -: «هذه تذكرة لمن ابتلي في جسده، أو ماله، أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب؛ حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب، حتى فرج الله عنه».
وقد يبتلى المؤمن بالمرض لتقصيره ببعض ما أمر الله به فيكون المرض تكفيرًا لسيئاته، قال تعالى: ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 123].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث زهير قال: أُخبرت أن أبا بكر- رضي الله عنه - قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية: ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ) فكل سُوءٍ عملنا جُزِيْنَا به؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكرٍ، أَلَستَ تَمرَضُ؟ أَلَستَ تَنصَبُ؟ أَلَستَ تَحزَنُ؟ أَلَستَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَهُوَ مَا تُجزَونَ بِهِ»
عباد الله : ومن فوائد المرض تكفير الذنوب والسيئات: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد الله بعبده الخير عجـَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». صحيح الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».متفق علية

وقال بعض السلف: لولا المصائب لوردنا يوم القيامة مفاليس، وكان السلف يفرح أحدهم بالبلاء، كما يفرح أحدنا بالرخاء.

عباد الله : ومن فوائد المرض إيقاظ العبد من غفلته: فكم من عبد كان بعيدًا عن الله، فلما مرض كان مرضه سببًا في توبته وعودته!! قال شيخ الإسلام -رحمه الله-:"مصيبة تُقْبِل بها على الله خير من نعمة تُنْسيك ذكر الله".
عباد الله :و قد يكون المرض سببًا لرفع منزلة المريض في الآخرة قال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّّ الرَّجُلَ تَكُونُ لَهُ المَنزِلَةُ عِندَ اللهِ فَمَا يَبلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَلَا يَزَالُ يَبتَلِيهِ بِمَا يَكرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ ذَلِكَ»
وقال صلى الله عليه وسلم «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ»
ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- سيد الأولين والآخرين، والمغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ابتلي بالمرض رِفعَةً لدرجاته، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَمَسَسْتُهُ بيَديِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ»، فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَجَلْ».
بل إن النبي-صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه أُغمي عليه ثلاث مرات، قالت عائشة - رضي الله عنهما - كما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-»
وقد يُجمَعُ للمريض الأمران، فيكون المرض تكفيرًا لسيئاته، ورفعة لدرجاته، وينبغي للمريض أن يتنبه لأمرين إذا تأملهما هانت عليه مصيبته وخفَّ همه وغمه:
1- أن هذه المصيبة لم تكن في دينه؛ لأن المصيبة في الدين يجني صاحبها الآثام والعقوبات.

2- أن مصيبته أخفُّ وأهون من مصيبة غيره، فلو سأل أو نظر إلى من حوله من المرضى لرأى من هو أشد منه ألمًا.

قال شريح: ما أصابتني مصيبة إلا حمدت الله تعالى عليها لأربع:

1- أن الله رزقني الصبر عليها.

2- أن الله رزقني الاسترجاع عندها.

3- أن الله لم يجعلها أكبر منها.

4- أن الله لم يجعلها في ديني.
روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا»، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
عبادالله : ومن الوصايا التي يُوصى بها المريض:
أولًا: إحسان الظن بالله تعالى: وأن من أحسن ظنه بالله رزقه الله الراحة النفسية، وطمأنينة القلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم-:«إنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ شَرًّا فَلَهُ».

ثانيًا: الإكثار من ذكر الله ودعائه والإلحاح عليه في الدعاء، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

قال ابن حجر: إن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العقاقير الطبية.

ثالثًا: الصبر والاحتساب، وعدم الجزع والسخط، فإنه على قدر إيمان المؤمن يكون ابتلاؤه،

رابعًا:على المريض ألا ييأس من الشفاء، فالله على كل شيء قدير، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
عباد الله: إن الامتحان بالمرض من السنن الربانية التي يبتلي الله بها عباده، والمؤمن يتحصل من خلالها على الفوائد الكثيرة التي تنفعه في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].
وليس البلاء علامة على هوان العبد على ربه.
بل أكثر الناس بلاءً الأنبياء: فعن مصعب بن سعد عن أبيه قال قلت: يا رسول الله أيُّ الناس أشد بلاء قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل" صححه الألباني.
وأقل الناس بلاءً الكفار والفجار: فعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: "دخل أعرابي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل أخذتك أم ملدم قال وما أم ملدم قال حر بين الجلد واللحم قال لا( ام ملدم هي الحمى ) ، قال فهل صدعت قال وما الصداع قال ريح تعترض في الرأس تضرب العروق قال لا قال فلما قام قال من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر الى هذا" صححه الألباني.

تعليقات