القائمة الرئيسية

الصفحات

الكذب وشهادة الزور

عباد الله: لقد جاء الإسلام بحفظ الحقوق وتحقيق العدل بين الناس بكل وسيلة مشروعة وفي سبيل ذلك شرع الطرق المختلفة لإثبات الحقوق وبيانها عند التنازع لأن الناس لو يعطون بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن القاعدة تقول (أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)، وأهم طرق إثبات الحقوق التي يستدل بها هي الشهادة، وقد أولاها الله جل وعلا عناية كبيرة، وأكد عليها، ورتب على الكذب فيها إثماً عظيماً، قال تعالى: [وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ](البقرة الآية283).
عباد الله : يقوَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم-: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟" قُلْنَا: بَلَى يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فقالَ: "أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.
هذا الحديث يبين خطر هذا الذنب العظيم الذي بادر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالكلام عليه قبل أن يسألوه فقال: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ وعندما أراد أن يذكر قول الزور جلس بعد أن كان متكئاً، وهذا دليل آخر على عظم هذا الأمر وخطره، ثم أخذ -صلى الله عليه وسلم- يكرر: "أَلا وقول الزور، ألا وشهادة الزور" حتى قال الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-: " ليته سكت ، وقد قرن الله -سبحانه وتعالى- بين عبادة الأصنام وبين قول الزور فقال: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج:30]، ونزَّه المؤمنين عن قول الزور، وجعل من أبرز صفاتهم الابتعاد عن قول الزور وشهادة الزور، فقال: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان:72].
وما ذلك إلا لأنه من أكبر الكبائر، وأعظم الجرائر، وأخطر الظواهر؛ لما يترتب عليه من الكذب والفجور والظلم وهدر الحقوق ونشر البغضاء والضغينة؛ فبسببه انتزعت أملاك بغير حق، وأُكِلَت أموال ظلماً، وانتُهِبَت حقوقٌ بالباطل.

عباد الله: إن شهادة الزور تسبب لشاهدها دخول النار لأنها تطمس العدل والإنصاف وتعين الظالم على ظلمه وتضيع حقوق الناس وتظلم بعضهم على حساب بعض وتعطي الحق لغير مستحقه وتزرع الأحقاد في القلوب وتعصف بالمجتمع وتزعزع أمنه واستقراره يقول النبي صلى الله عليه وسلم « إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا.

شاهد الزور يستحق الطرد والمقت والتشهير وتعريف الناس به حتى يحذروه، كتب عمر بن الخطاب إلى عماله في شاهد الزور أن يضرب أربعين سوطاً، وأن يسوَّد وجهه، ويحلق رأسه، ويطاف به، ويطال حبسه.

عباد الله : إن هذا الذنب الخطير والشر المستطير موجود ومنتشر للأسف الشديد في أوساط مجتمعنا ،لقد نسي هؤلاء لقاء ربهم وظلمة قبورهم ونسوا أن الحقائق قد تقلب في الدنيا لكنها عند الله في الآخرة لن يحق فيها إلا الحق ولن يصح منها إلا الصحيح فالحق في ميزان رب العالمين لا تنفع فيه شهادة المزورين ولا فصاحة المحامين يقول الله جل جلاله ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنَ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )

اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم

عباد الله : ان الله ميز الانسان عن سائر الحيوان بنعمة اللسان (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ] {البلد:9} فان وفق العبد لان يسخر هذه الجارحة لما فيه خير وصلاح سعد في الدنيا والاخرة ، وان انحرف به عن منهج الله خسر الدنيا والاخرة

عباد الله : وكما أن من أظهر الشهادة زوراً قد اقترف إثماً عظيماً فكذلك من كتم الشهادة وهو يعلمها وشهد بغير الحقيقة التي يعرفها فقد اقترف أيضاً كبيرة من الكبائر يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ ويقول ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا ) مسلم

عباد الله: إن الشهادة ليست مجرد قول باللسان- ولكنها كلمة يترتب عليها الأحكام. وتنزع بها الحقوق. وتسفك بها الدماء. ويفرق بها بين الزوجين.

تعليقات