القائمة الرئيسية

الصفحات

الأعاصير والزلازل

أما بعد عباد الله : امتن الله تعالى على البشر بالخلق والرزق والرعاية والكفاية والإمداد والإمهال..خلقهم سبحانه من العدم، ورباهم بالنعم..

خلقهم وهو غني عن خلقهم، ورزقهم وليس محتاجا إليهم، ولو شاء لأهلكهم وأبدل بهم غيرَهم {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النساء: 133].

فهم فقراء إليه، وهو سبحانه غني عنهم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى الله وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر: 15-17].

والعباد فقراء مساكين، ضعفاء عاجزون؛ يأكلون أرزاقهم، وينتظرون آجالهم، ولا يدرون ماذا سيحل بهم، ولا متى يموتون، ولا كيف يموتون، وربهم سبحانه قادر عليهم، وهم عاجزون عن نفع أنفسهم، فلا يزيدون في أرزاقهم، ولا يملكون مدَّ آجالهم، ولا دفع السوء عنهم، ولا منجاة لهم من الله تعالى إلا بطاعته، ولا فرار لهم منه إلا إليه سبحانه، فالأصل فيهم الضعف والعجز {يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28].

عباد الله : إنَّ قدرة الله تعالى فوق ما يظن الخَلْق، وأمره سبحانه لا يردُّه شيء؛ فقضاؤُه نافذ، وحكمه لازم؛ {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالبَصَرِ} [القمر: 50]، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، ولو أراد سبحانه لأرسل عذابه على عباده؛ {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65]، قال سبحانه في المكذبين المشركين من قريش: {وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 95]،

عباد الله : إن الله عز وجل قادر على إهلاك خلقه في لمح البصر، ولكنه يعفو ويرحم، ويمهل ويملي، وينذر ويعذر، وقد قال سبحانه في المنافقين {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20].

وقد أَخْبَرَنَا سبحانه بِوُقُوع عذابه على بعض عبادِه، وعذابه سبحانه قد يُصيب العِباد في الدُّنيا، وقد يؤخر لهم في الآخرة، وقد يجمع الله تعالى لبعض عباده عذاب الدُّنيا مع عذاب الآخرة؛ كما أهلك سبحانه المكذبين، وتوعدهم في الآخرة بالعذاب الأليم، وعذاب الله تعالى لا يمنع منه حذر محاذر، ولا يردُّه حِرْصُ حريص، ولا ينجي منه استخفاء ولا احتراز، ولا تقف أمامه قوة مهما كانتْ، ولا يدفعه أحد مهما بلغ؛ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 8]، {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ الله ذِي المَعَارِجِ} [المعارج: 1،

عباد الله : إن اهتزاز الأرض بالزلازل المدمرة، وأمواج البحار بالأعاصير المغرقة ما هما إلا مظهر من مظاهر قدرة العليم القدير، وإنذاره لعباده المؤمنين.. تهتز الأرض بأمر ربها في ثوان فتدمر زلزلتها مدنا كاملة، وتقتل خلقا كثيرا، وتشرد أمما من الناس فلا مأوى لهم، وتوقع خسائر فادحة .

ويموج البحر بأمر ربه عز وجل فتبتلع موجتُه مدنا وقرى بأهلها ومساكنهم ومتاجرهم وشوارعهم، فتكون تحت الوحل والماء بعد أن كانت فوق الأرض.

وعلماء الأرض ودارسو أحوالها يقررون أنه لا مكان في العالم يمكن أن يكون آمنا من الزلازل والأعاصير.

وفي الأيام القليلة الماضية أهلك إعصار ساندي مئات من الناس أو يزيدون، وابتلع قرى، وشرد الالالف ، فقدوا مساكنهم وأملاكهم في لمح البصر، وقد شيدوها في سنين طويلة . فما أضعف الإنسان وأعجزه وقد شيَّد العمران، وابتنى المدن، وصعد إلى الفضاء، وغاص في أعماق المحيطات، واكتشف الذرة، وصنع الطائرة، وبطش في الأرض ، ما أعجزه أمام جند الله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدَّثر: 31] . وإن من ضعف الإنسان أن الحيوان والطير تحس بالزلازل والأعاصير قُبيل وقوعها فتفرُّ عن أرضها، والبشر لا يشعرون بها حتى تبغتهم فسبحان من علم العجماوات التي لا تعقل!!



عباد الله : لقد ظَهَرَ ضَعفُ هذه الأمة أمام هذا الإعصار ، وبانَ عَجْزهم في مواجهته، أو وقف سيره أو تحويله أو تخفيف آثاره؛ فاضطربتْ أحوالهم، وعظم خوفُهم لانهم كفروا نعم الله تعالى عليهم( وشتمو واسائوالحبيبنا محمد ) فحري أن ينزل بهم العذاب وهم عنه غافلون؛ كما في قول الله تعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].

وقد أمر الله تعالى عباده بالتزام دينه، وإقامة شريعته، والانتهاء عن معصيته قبل أن يحل بهم العذاب والدمار وهم عنه غافلون {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزُّمر: 55].

عباد الله : إن الله تعالى قادر على البشر ولو تحصنوا بحصونهم، واحتاطوا لكل حدث بما يناسبه، ولن تغني عنهم حصونهم من الله شيئا، وعذاب الله تعالى ينزل في لمح البصر فينتهي كل شيء، تذهب النعم التي رتع الناس فيها طويلا، ويصابون في أعزِّ ما لديهم من أهل وولد ومال.

وكم من مسرور في أهله وولده أضحى بعد الفاجعة مكلوم القلب، جريح الفؤاد، يتمنى الموت ولا يجده، قد فقد أهله وولده في لحظة واحدة!! نعوذ بالله تعالى من الفواجع، ونسأله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

عباد الله : اعتبروا بما حلَّ بغيركم قبل أن يصل إليكم؛ فإن ربكم قادر عليكم، غيور على محارمه أن تنتهك، يمهل ولا يهمل، ويملي ولا ينسى. فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وحاسِبوا أنفسكم، وارجعوا إلى دينكم، واعتبروا بآيات الله تعالى فيكم واحذروا المعاصي؛ فإنها سالبة النعم، موجبة النقم، ينزل البلاء بسببها، وتُرفع العافية بظهورها {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117] وفي الآية الأخرى {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59].

واياكم ان تغترُّوا بِإِمْهال الله تعالى لكم وإيَّاكم أن تسلكوا مَسْلك مَن قال الله تعالى فيهم: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} [القمر: 36]، فكانَتْ نتيجة عنادِهم واستكبارهم ما قصّ الله تعالى علينا بقوله سبحانه: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} [القمر أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم الخطبة الثانية

عباد الله : حين يصيب الله تعالى بعض عباده بالكوارث والنَّكَبَات، أو يخوفهم بالنذر والآيات، فإنه سبحانه يوقظهم من رقدتهم، وينبههم من غفلتهم، وييسر لهم أسباب الرجوع إليه، والإقبال عليه، ومع ذلك فإنه لم يتغير حال كثير من الناس، ولم يخشوا عقوبة الله تعالى، ولم ينظروا إلى هذا النذير الكوني الرباني نظرة عبرة واتِّعاظ، تقود إلى الإقلاع عن الذنوب، والتوبة النَّصُوح؛

إنَّ الذُّنوب والمعاصي سببٌ لعذاب الله تعالى، وإنَّ الإصرارَ عليها بعد تتابُع النُّذُر والآيات يكون سببًا في تعجيل العُقُوبات؛ فإنَّ الله تعالى غَيُور على حرماته أن تنتهكَ.

عباد الله : كثرت في زمننا هذا الزلازل والأعاصير ، وقلَّت الأمطار، وجفت العيون، وغارت الآبار، وغلت الأسعار، واشتعلت الحروب في كل مكان، وتفاقمت الفتن، وتوالت المحن، وعظمت المشكلات ، ومع كل هذه البلايا العظيمة، فإنها لم تحرك في الناس ساكنا!! (وسمعتم عن الزلزال الذي ضرب منطقة الشونة شمال الأردن بقوة 5ر4 درجة على مقياس ريختر ليوم السبت بتاريخ 1/1/2011 ).بعد أن باتت هذه ألامه ترقص وتطرب بالاحتفال بعيد رأس السنة الذي ليس لة أصل في ديننا .

بل إن الكوارث تدق على الناس أبوابهم، والأخطار الجسيمة تحيط بهم من كل جانب وهم في سكرتهم وغفلتهم

لقد كان الناس إلى وقت قريب أكثر إحساسا، وألين قلوبا، وأشدَّ فزعا إلى الله تعالى، فما أصابهم قحط، أو سمعوا بزلزال أو إعصار، أو رأوا كسوفا أو خسوفا إلا تحركت قلوبهم، فوجلوا وخافوا، ولجئوا إلى ربهم، وأقلعوا عن معاصيهم، وأقبلوا على طاعة الله تعالى.

لقد أطبقت الغفلة على كثير من القلوب، فأماتت إحساسهم، وأفسدت قلوبهم وأخلاقهم، فلا يتعظون ولا يعتبرون وقد جاءتهم النذر من بين أيديهم ومن خلفهم {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطَّففين: 14]..

إن الله تعالى لو عذب الناس كلهم، وضرب الأرض جميعا بالزلازل، وأغرقها بالأعاصير، وأحرقها بالنار؛ لكان ذلك عدلا منه {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44].

تعليقات