المماطلة في الدين
عباد الله :لقد فاوت الله تعالى بين العباد في الرزق، ورفع بعضهم فوق بعض درجات؛ ليكون ذلك ابتلاء لهم (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ) [الأنعام:165].ونتيجة لهذه السنة الكونية كان في الناس غني وفقير، وشريف ووضيع، وقوي وضعيف .
عباد الله : حديثي في هذا اليوم عن مشكلة ومعضلة ، لزمت الكثير من الناس ، وهم عنها غافلون ، تجر التبعات ، إنها مشكلة الدين ، الدين يوقع في كبائر الذنوب ، ويجر كثيراً من الخطوب كذب وتملق ، فاتق الله – أيها المديون – وأد ما في ذمتك من مال ، ولو كان أقل من دينار ، واعلم أن ميزان الله يحصي مثاقيل الذر ، ولا تظلم نفس شيئاً ، وليس ثمة دينار ولا درهم ، إنما هي الحسنات والسيئات ، ثم اعلم أيها المديون ، أن حقوق الآدميين لا تسقط بالتوبة فقط ، بل لابد من ردها إلى أهلها ، واعلم أنك مسؤول عن صغيرها وكبيرها ، وقليلها وكثيرها، وبعض الناس يتقال الذي في ذمته ، ثم لا يؤديه ، ولا يستسمح صاحبه .
عباد الله : لا تنتظر ممن أقرضك ماله أن يأتيك فيسألك حقه، فلربما منعه الحياء، أو وكل أمرك إلى الله -عز وجل- ثم اعلم أن الحاجات لا يقضيها إلا فاطر الأرض والسموات ، فتعلق برب البريات . فالدين أمره عظيم، وخطره جسيم؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدَّين". رواه مسلم.
عباد الله : يقول الله -عز وجل-:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ ] {النساء:30}
إن كثيراً من الناس عظم بطنه ، ونبت لحمه ، وقوي عظمه ، بمال غيره ، أكله بالباطل ، إن استدان ديناً جحده ، وإن استقرض قرضاً تظاهر أنه نسيه ، فسبحان الله ! كيف يهنأ بالطعام والشراب والمنام ، من هذا حاله ، وذاك مثاله ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه " [ أخرجه مسلم ] ،
يا له من وعيد شديد ، وتهديد أكيد ، لمن أكل أموال الناس واحتال ، واستدان بقصد عدم القضاء ، وأضمر
عدم رد الأفضال ، فأين له راحة البال ، بل أمره في سفال ، وعاقبته إلى وبال .
عباد الله :إن الإسلام حذر كل الحذر من التهاون في أداء الدين ، أو المطل والتأخير في قضائه ، أو التساهل وعدم الاكتراث في أدائه ، وتوعد على ذلك بعقوبة مهلكة ، ونهاية مؤلمة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :"من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" ص الالباني
فاحذروا الدين وخطورته وعقوبته ، فربما استدان ومات فيحبس عن دخول الجنة .
عباد الله :لقد امتنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الصلاة على من مات وعليه دين، كما روى سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: كنا جلوسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أتي بجنازة، فقالوا: يا رسول الله: صلّ عليها، قال: "هل ترك شيئًا؟!"، قالوا: لا، قال: "فهل عليه دين؟!"، قالوا: ثلاثة دنانير. قال: "صلوا على صاحبكم"، قال أبو قتادة: صلّ عليه -يا رسول الله- وعليّ دينه، فصلى عليه. رواه البخاري.
وفي رواية من حديث جابر: فجعل رسول الله إذا لقي أبا قتادة يقول: "ما صنعت الديناران؟!"، حتى كان آخر ذلك أن قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: الآن برَّدت على جلدته".
عباد الله : اعلموا أن من استدان ، وفي نيته الخالصة ، ونفسه الصادقة ، الوفاء بدينه ، فهذا معان على أداء دينه حين حصوله قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم : " إنَّ اللَّهَ مَعَ الدَّائِنِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ ، مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا يَكْرَهُهُ اللَّه " صححه الألباني
فمن أصابته الحاجة ، ونزلت به الفاقة ، فليلحقها بالله تعالى ، ويتجه لباب ربه ، فالله يسمع الدعوى ، ويعلم النجوى ، ويقضي الشكوى ، قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
عباد الله : لما كان الدين بهذه المثابة من الخطورة ، أنزل الله تعالى آية في كتابه تبين أهميته ، وشديد محاسبته ، فقد أمر بمكاتبته ، ثم أمر سبحانه بالشهادة على الدين ومنع اعتذار الشهداء ، إذا علموا قدر الدين ، ووقت الوفاء ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من فارق الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة: الكبر والدين والغلول" صححه الالباني
عباد الله : ما من أحد من الناس إلا وتمر به أزمات، وتحيط به مشكلات، تكبر أو تصغر، تطول أو تقصر، وإن من أعظم ما ينجي الإنسان في كربه، ويكون سببا في تجاوز أزماته، وحل مشكلاته؛ معونته لإخوانه المسلمين، والسعي في تفريج كربهم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم "من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" رواه مسلم.
أقول تسمعون واستغفروا الله لي ولكم
الخطبة الثانية
عباد الله : من أعظم البر بالآباء والأمهات بعد موتهم ، وفي حياتهم ، أن يُسارع الأبناء إلى سداد ديونهم ، وقضاء حوائجهم ، فما أعظم حق الوالدين ، وتالله مهما فعل الأبناء لن يوفوا أهليهم حقهم ، ولكنه السداد والمقاربة ،
عباد الله : ينبغي أن نحذر أشد الحذر من ثقل الدَّين.. لا يجوز للإنسان أن يستدين لغير حاجة.. ثم إذا استدان بعد ذلك ووقع تحت الدَّين يجب عليه الوفاء والسداد عند الوقت وقبله إذا استطاع.. يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: (مَطل الغني ظلم) فالمطل هو المماطلة في سداد الدَّين.. والغني هو المليء الذي عنده ما يكفيه لسداد الدَّين.. فمن استدان يجب عليه الوفاء ولا تجوز له المماطلة.. و المماطل لا يمكن أن يبارَك له في طعامه ولا في شرابه ولا في رزقه ولا في تجارته إذا كان عنده من المال ما يكفي لسداد الدَّين.. ومعظم الخلافات فيما بين الناس إنما هي بسبب عدم الوفاء بالدَّين..
عباد الله : كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الكلماتِ في دُبُر الصلاة: "اللهمّ إني أعوذ بك من الهمِّ والحَزَن، والعَجز والكَسَل، والبُخل والجُبن، وغَلَبة الدّين وقَهرِ الرجال". فكان يستعيذ بالله من غَلَبة الدَّين، أي من الدَّينِ الذي يغلبه ويعجزُ عن قضائِه ويلقَى اللهَ وحقوقُ العبادِ في ذمّته، فالنّبيُّ يستعيذ من ذلك لأنّ حقوقَ العباد إذا لم تُؤدَّ في الدنيا أُدِّيَت يومَ القيامة من حسناتك؛ من صلاتك، من صيامك، من حجِّك، من بِرِّك، مِن فعلِك الخير.
تعليقات
إرسال تعليق