التواصل الاجتماعي الفيس بوك
أما بعد عباد الله : إن أعمالكم وألفاظكم مدونة في كتابكم ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18] وإنكم ستسألون يوم القيامة عما قلتم وما عملتم، فكم من قائل قول أنكره، وكم من عامل عمل جحده، فتشهد الأركان بالأقوال والأعمال ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يس: 65].عباد الله : لقد كان اللسان من قبل ينطق كثيرا، وكان العلماء والوعاظ يحذرون من فلتات اللسان وآفاته؛ واستحضر الناس فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم (وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)
هذا في الزمن الذي كان فيه اللسان ملك البيان ، أما اليوم فإن كثيرا من النطق قد تحول من اللسان إلى الأصابع، فصارت أصابع بعض الناس تتحدث أكثر من ألسنتهم بما فتح الله تعالى على البشر من علوم الاتصال والتواصل الاجتماعي المجاني ، إنها ثورة في التواصل قد غيرت الأخلاق والسلوك وأنماط التعامل بين الناس، حتى قلبت حياتهم رأسا على عقب.
عباد الله :الفيس بوك: هو موقع التعارف والعلاقات الاجتماعية، ويُعتبر أهم مجتمع اِفتراضي على الإنترنت، أُطلِق في 2004، ويسمحُ هذا الموقع للمستخدمينَ بالانضمام إلى عدة شبكات فرعية من نفس الموقع؛ ويحتوي على ملايين المشتركين تصبُّ في فئةٍ معينة اكثرهم الشباب والبنات وغرضُه الأساس الذي نعرفُه - ظاهرًا -: إعادة ربط الأقارب والأصدقاء بحبال متينة بعدمَا قطّعها السّعي وراء العيش، والجميل أنّ الكثيرين استفادوا من هذا المجمع استفادة كبيرةً،أصدقاء التقوا بعد فراق سنين ، وزملاء تقاربوا بعد مَا باعدتهم الخُطوب والأجملُ مِن ذلك كلِّه استغلالُ بعض الفضلاء من المسلمين لهذه الوسيلة في الدّعوة إلى الله على فهم خيرِ القرون .
عباد الله : هذه الثورة العظيمة في التواصل بين الناس هي من المنن التي منّ الله سبحانه وتعالى بها علينا في هذا العصر ، وما كان يظن الإنسان أن يصل إلى ما وصل إليه ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5] ، وهي من تقارب الزمن المذكور في أشراط الساعة؛ فإنها قربت البعيد، وكسرت جميع الحواجز، وألغت الحدود؛ فيحادث الواحد من شاء في أي وقت شاء، وبأي أسلوب شاء، لا يرده عنه شيء، ولا يحول بينهما حائل.
عباد الله : إن الواجب علينا أن نستغل هذه التقنية في نشر الخير والدعوة إلى الله وتحبيب غير المسلمين في الإسلام ونصح المسلمين ودعوتهم إلى الالتزام بشرائع الإسلام واستخدامه في التواصل مع الأهل والأقارب والأرحام والتعرف على الآخرين من أجل الله ، تعارفاً يراد به وجه الله لننال به محبة الله فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر من السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: رَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ.
عباد الله:إن كثيراً من شبابنا وأبنائنا لديهم خبرة واسعة ومعرفة جيدة بالإنترنت وكان من المفترض أن يستغلوه في العمل لصالح للإسلام أو على الأقل يستغلونه لصالحهم شخصياً كأن يبحث عن عمل أو يتعلم البرامج المفيدة ودورات البرمجة حتى يستفيد منها في تطوير نفسه وزيادة دخله.
لكن المصيبة لو نظرنا إلى استخدامنا لهذة الشبكة لوجدنا إلا من رحم الله أن كثيراً منا يستخدمها في جانب الشر والفساد والهدم والعبث وعقد العلاقات المحرمة والتعارف السيء المبني على الشهوات والإثارات بالدردشة والشات والوتسب والسكاي وتبادل لمقاطع الفيديو غير اللائقة والصور الخبيثة ونشر المعلومات المضللة والشائعات الكاذبة واستخدام الألفاظ البذيئة والكلمات الغربية اكثر مما يستخدمة في جانب الخير والصلاح ، وهذا لاشك أنه أمر خطير فإن هذة الشبكة سلاح ذو حدين وهو نعمة لمن استغله استغلالاً مفيداً وفي نفس الوقت نقمة على من يستخدمه في اللهو والحرام.
عباد الله : إنها فتنة عمت المجتمعات، واقتحمت البيوت، إنها فتنة من فتن العصر جعلت كثيرا من الناس يعيش بشخصيتين متنافرتين؛ فهو الوقور أمام الناس.. لكن هذه الشخصية تخلع الحياء إن كان الحديث بالأصابع،
عباد الله : إنها وسائل أدت في كثير من الأحيان إلى العقوق، وقربت الرجال من النساء، والشباب من الفتيات، فأوقعت في كثير من البيوت الريب والشكوك، وأوصلت كثيرا من الأزواج والزوجات إلى عتبة الطلاق بعد الخصام والشقاق بسبب تبادُلِ الصورِ المحرِّمةِ وعشقُها، والوقوعُ في مرضِ التعلُّقِ القلبي بها، والله تعالى يقول) قل للمؤمنينَ يغضُّوا من أبصارهم ويحفظُوا فُرُوجَهُم ذلكَ أزكى لهم إنَّ الله خبيرٌ بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظنَ فروجهنّ ولا يُبدين زينتهنّ إلا ما ظهرَ منها .. ) .. فينبغي على الشابِّ والفتاة المحافظةِ على العِفَّةِ والدين، والبُعدِ عمّا يخدِشُهُما من قريبٍ أو بعيد.
وكم من فتاة غُرر بها عن طريقها وهي التي لا تعرف للشر طريقا، ولا للإثم سبيلا، وليس في قلبها أي ريبة ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» وقد وفرت برامج التواصل خلوة بين الجنسين للحديث والتباسط ورفع الكلفة والمضي ساعات طوال في أحلام، وسهر ليال على أوهام بالصوت والصورة ؛ حتى تألفه ويألفها، فلا تقدر على مفارقته، وفي كثير من الحالات يضحك عليها بجميل الكلام، وإظهار الحفاوة والاهتمام، فتريه صوَرها لينحرها بها بعد أن يبتزها ويعذبها ويهلكها ويتلف أعصابها، وفي البيوت مآس لا يعلمها إلا الله تعالى، خفف الله تعالى عن أهلها، وأسبغ علينا وعلى المسلمين ستره.
عباد الله : المصيبة والطامة الكبرى أن هذه العلاقات لم تعد تقتصر على الجانب الالكتروني والتعارف من خلف الشاشات وإنما بدأت هذه العلاقات تترجم على أرض الواقع وتنتقل من الجانب الالكتروني الوهمي إلى الجانب الحقيقي الواقعي وخاصة بين الذكور والإناث والأولاد والبنات وهذا للأسف موجود وواقع ملموس في ظل غفلة وسهو من الآباء وأولياء الأمور.
عباد الله : إنه لا غنا لمواجهة هذه الفتنة التي عمت البيوت كلها عن زرع مراقبة الله تعالى ومحبته وتعظيمه، والخوف منه، في نفوس ابناءنا وبناتنا .
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
عباد الله : كلامي ليس موجها لفلان أو علان فهو لنفسي قبل غيري؛ حتى نرتقيَ ونجعل من هذه الوسيلة وسيلةً دعوية توعوية لا غابَةً نغرَق فيها ونُغرق غيرنا
عباد الله : الفيس بوك شبكة عالمية ضخمة، مثلها مثل شبكةِ الإنترنتّ عموماً، حسَنُها حسَن وقبيحُها قبيح، وبهذا فأن القولَ المُطلَق بفسادها قولٌ بعيدٌ عن الحقيقة، والقولُ المُطلَقُ بصلاحِها قولٌ مُجانبٌ للصواب .. فمن أرادَ الخير وسعى إليهِ واستغلّ هذهِ التقنية شخصياً أو دعوياً وجدَ لهُ مكاناً وسبيلاً، ومن اِبتغى الشرّ وطلَبهُ سيجدُ مكاناً وسبيلاً .
عباد الله : إن برامج التواصل الاجتماعي فتحت على أبنائنا وبناتنا وشبابنا وفتياتنا شروراً كبيرة وأخطاراً عظيمة فكم من ولد كان من أفضل الأولاد وأحسن الطلاب ثم انقلب على عقبيه وتغيرت سلوكياته حتى مع أهله وأصحابه بسبب هذه البرامج التي يصبح ويمسي معها فيعيش في عالم من الأوهام والأحلام .
وكم من فتاة غرها شاب خبيث مجهول في البداية معروف في النهاية يصرف عقلها بكلماته المعسولة ووعوده الكاذبة وصداقته المزيفة ويوهمها بأوهام مزيفة حتى اغتر بعضهن بتلك الوعود والأوهام.
عباد الله : فلنتقي الله في أبنائنا ولنضع لهم خطوطاً عريضة يتعاملون بها مع هذه الشبكة حتى نضبط الأمور ونكون على قدر المسئولية تجاه أبنائنا وبناتنا ولا نعطيهم الثقة المطلقة التي لا حدود لها فإن الهلاك والفساد يأتي من جراء هذا التساهل والتفريط يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، ويقول النبي صلى الله علية وسلم ( ما من عبد يسترعية الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيتة الا حرم الله علية الجنة )
وليعلم الجميع ان الدال على الخير كفاعلة والدال على الشر كفاعلة ) وآجلا ام عاجلا ستموت وتبقى صفحتك على الشبكة يشاهدها الجميع فاختر لنفسك ما ياتيك من خيرها او شرها
تعليقات
إرسال تعليق