القائمة الرئيسية

الصفحات

التوبة وشروطها

لقد خلق الله تعالى الإنسان وكرَّمَه بالعقل، ومنحَه الحريَّةَ والاختيار، ووضع الله تعالى فيه نوازعَ الخيرِ والشر، ودعاه إلى الإيمان والعمل الصالح، ونهاه عن المعاصي والفجور، وعَلِمَ اللهُ تعالى أنَّ هذا الإنسان ضعيف لا بد وأن يقع في لحظاتِ ضعفٍ يفتُر فيها عن طاعةِ الله، ويُدخِلُ الشيطانُ نوزاعَ الشر إليه فيقع في معصية أو ذنب، ومن مظاهر رحمة الله تعالى بالعبد أن شرعَ له التوبةَ عند الوقوع في الإثم والمعصية، ولولا فضلُ الله علينا لهَلَكَ أكثرُ الناس، قال - صلى الله عليه وسلم-:« كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»، وقال أيضا: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»
وبما أننا اليوم مقبلون على شهر رمضان، شهر الخير والبركات والعطايا من الله تعالى، فلا بد لنا من الاستعداد لقدوم هذا الشهر بالتوبة والاستغفار، فصحيح أن التوبة واجبة في كل حال، لكنها في رمضان أشد وجوباً.
وقد دعا اللهُ عبادَه إلى التوبة جميعاً فقال تعالى:﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
بل بلغَ من رحمةِ الله تعالى أن وعدَ عبادَه التائبين بالمغفرة، فقال:﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، والله تعالى يرضى بتوبة عبده ويفرح
وقال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ – رضي الله عنه -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:« قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة»

وعَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: -: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»،

ومن سَعَةِ فضلِ الله تعالى أن وَعَدَ عبادَه المؤمنين إضافةً إلى سَترِ الذنبِ ومغفرتِه أن يُذهِبَ سيئاتِهم ويبدلها إلى حسنات، فقال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾، وقال تعالى:﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾
وجعلَ اللهُ تعالى بابَ التوبةِ مفتوحاً للعبدِ مهما أذنبَ وقَصَّرَ في حق الله تعالى فالله يُحب التوابين كثيري الرجوع إلى الله تعالى حتى وإن كثُرَ منهم الذنب، ما لم يغرغر العبد أو تطلع الشمس من مغربها، فعندئذ لا تُقبَلُ التوبة.
وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»
ولا بد أن يتعوَّد العبدُ على التقوى والطاعةِ وعملِ الحسنات، حتى يمحوَ اللهُ عنه السيئات، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»
والتوبةُ لا تكون فقط عن الذنب، بل هي في حَدِّ ذاتِها عبادة، وهي من عبادةِ الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو المعصوم من الذنوب صغيرِها وكبيرِها ومَن غفرَ اللهُ له ما تقدَّمَ من ذنبِه وما تأخر إلاَّ أنه يتوب في اليوم مائة مرة،
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة»
اقول ما تسمعون واستغفر الله لى ولكم
واعلموا عبادَ الله أنَّ للتوبةِ حتى تكون مقبولةً عند الله تعالى شروطاً لا بد من مراعاتها وهي:
أولاً: أن يُقلِعَ العبدُ عن المعصيةِ فوراً
ثانياً: أن يندمَ على فِعلِها
ثالثاً: أن يَعزِمَ ألا يعودَ إليها أبداً
فإن فقدت التوبة أحدَ هذه الشروطِ الثلاثةِ لم تَصِحّ، وهذا إذا كان الذنبُ مما يتعلقُ بحقِ الله تعالى، أمَّا إن كان مما يتعلق بحق الآدميين فعليه مع حصول الشروطِ الثلاثةِ أن يَستَحِلَّ صاحبَ الحقِ منه، إمَّا بِرَدِّهِ إن كان مالاً أو نحوه وطالب المسامحة

تعليقات