القائمة الرئيسية

الصفحات

القلب وخطورة أمراضه

عباد الله : إن شر ما أصيبت به النفوس وهلكت به الأبدان، وضربت به القلوب، قسوة القلب ، قال صلى الله عليه وسلم «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»
إذَاَ القلوبُ استرسلت في غيها ****** كانت بليّتها على الأجسام
عباد الله : إن القلب هو محل نظر الله من العبد، وبصلاحه تستقيم الجوارح، وتصلح الأعمال، لأن القلب هو أشرف ما في الإنسان، ومحل العلم منه والعرفان ، ولأنه سيد الأعضاء كما قال ابن القيم -رحمه الله-: إن القلب للأعضاء كالملك المتصرف في الجنود ، قال صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم» فحري بالمسلم أن يهتم بموضع نظر الله جلّ وعلا ، قبل أن ينظر لزينة ملابسه ومظهره الخارجي، فبصلاح القلب يصلح البدن ، وبقساوته يفسد البدن، وقد كان النبي صلى لله عليه وسلم يكثر من دعائه «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»

عباد الله :إن رقه القلب هي النعمة التي ما وجدت على الأرض أجل وأعظم منها،
وما من قلب يحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعودًا بعذاب الله ، فقسوة القلب من
أشد امراض القلوب، وبسببها ، أوغل كفرةُ بني إسرائيل في الإجرام، فكانت قسوةُ القلب من أشهرِ ما عرفوا به: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة: 74]، والقلب إذا اشتدت عليه القسوة صار كالكوز مجخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا يُنكر منكرًا، وصار صاحبه لا يتمعر وجهه إذا انتهكت محارمُ الله ، ولذا قال أهل العلم: ما ضُرب المرءُ بعقوبةٍ أشد من قسوة القلب، فقسوة القلب إنما هي ضَعفٌ ورِقةٌ في الإيمان، من أعظم أسبابها الإسرافُ في المعاصي، كما قال تعالى عن اليهود: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) [النساء: 155] ، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكِتَ في قلبه نكتةٌ، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقلت، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو فيه، فهو الران الذي ذكر الله -جل وعلا-: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)".
عباد الله : إن أبعد الناس من رحمة الله، صاحب القلب القاسي، ولذا توعد الله القاسية قلوبهم بالويل فقال: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر: 22]. ولذا فإذا رأيت من قلبك قسوةً فتفقد عملك؛ فإنما القسوة عاقبة الإسراف في المعاصي والتفريط في الفرائض. ولا تقسو القلوب حتى تجتمع عليها مفسدات خمس، إذا اجتمعت على القلب قسا، وهي: كثرة مخالطة الناس البعيدة عن ذكر الله، والتمني وطول الامل، والتعلق بغير الله، والشبع، وكثرة المنام.
عباد الله : إن من العجب أن يهتم الناس بعلاج أمراض أبدانهم ، ولا يهتمون بعلاج أمراض قلوبهم، فتراهم لأمراض أبدانهم أشدَّ حذرًا منهم لأمراض قلوبهم، أما المؤمن فيحذر الأمراض كلها، وهو لأدواء قلبه أشد حذرًا من أولئك لأدواء أبدانهم.
عباد الله : يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله - في تصنيف القلوب، وانقسامها إلى صحيح وسقيم وميت. فالقلب الصحيح: هو القلب السليم الذى لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، كما قال تعالى: [يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ][الشعراء: 88-89]. ، واما القلب الميت وهي قلوب اكثر العباد في هذه الايام الا من رحم الله الذى لا حياة به، فهو لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره ، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، فهو لا يبالى إذا فاز بشهوته وحظه، رضى ربه أم سخط، فإن أحب أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه. فحب هواه أحب إليه من رضا مولاه.

والقلب الثالث قلب له حياة وبه علة؛ فله مادتان، تمده هذه مرة، وهذه أخرى، وهو لما غلب عليه منهما، ففيه من محبة الله ، وفيه من محبة الشهوات ، وهو ممتحن بين داعيين: داع يدعوه إلى الله ورسوله، وداع يدعوه إلى العاجلة. وهو إنما يجيب أقربهما منه بابا، وأدناهما إليه جوارا.

اقول ما تسمعون واستغفر الله لى ولكم

عباد الله: ينبغي أن نحرص على سلامة قلوبنا لأنها سبب النجاة، وسبب الخلود في الجنات ، فالقلب يمرض كما يمرض البدن وشفاؤه بالتوبة، والقلب يصدأ كما يصدأ الحديد وجلاؤه بالذكر

عباد الله: إن لرقة القلوب أسباب، عندما تجتمع بالمسلم يكون رقيق القلب لينًا

فمن أعظم أسباب لين القلوب الإيمان الحق؛ بالله ورسوله، ومن أعظم أسباب لين القلوب ورقتها كثرة ذكر الله وتلاوة القرآن ، وذكر الموت، و طهارة القلب من الحسد والبغضاء ، وأكل الحلال، وزيارة المرضى، ومخالطة المساكين والفقراء والضعفاء، ومن أعظم ما يلين القلوب الاعتبار بما جرى ويجري على المكذبين والفاسدين والحاقدين من الماضين والمعاصرين من أنواع العقوبات وشديد الأخذات.

تعليقات