المال الحرام
عباد الله : إنَّ المجتمع اليوم مجتمعٌ تغيَّرت فيه كثيرٌ من القِيَم الصّحيحة، وتبدَّلت فيه المفاهيمُ المستقيمة مجتمع ٌ تكالب فيه البشَر على التنافُس في جلبِ المصالح والمنافع. الدّنيا هي مُنيَتة، وتحصيلُها هو غايته، (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ) [النجم:29-30]. والغريبُ أنّ بعضًا من المسلمين استهوته تلك الموجةُ العاصفة، فزلَّت به القدمُ، ومالَت به النفسُ الأمّارة بالسّوء، فراح يجمع الدّنيا بكلِّ طريق، ويستكثِر منها بأيِّ سبيل، حتى صدَق على بعضٍهم قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يُبالي المرءُ بما أخَذَ المالَ أمِن الحلال أم مِنَ الحرام" رواه البخاري.ولذا حرص الإسلامُ على التوجيهِ والإرشادِ الصحيح ؛ حتى يكونَ المسلم حريصًا أشدَّ الحرص بتنقيةِ مكاسبِه من كلِّ كسبٍ خبيثٍ، أو مالٍ حرَّام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [النساء:29]
عباد الله : ان المكاسب المحرَّمة ذاتُ عواقبَ وخيمةٍ، وآثارٍ سيّئة، أخطرُها وأشدّها أنها سببٌ من أسبابِ دخول النار، ومن أسبابِ غضَب الجبّار، فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول لكعبِ بنِ عُجرة -رضي الله عنه-: "يا كعبُ، إنّه لن يربوَ لحمٌ نبت من سُحتٍ إلا كانتِ النّار أولى به" حديث صحّحه الحاكم. والسّحتُ -يا عباد الله- مصطلح شرعيّ يشمل كلَّ مال اكتُسِب بالحرام.
عبادَ الله: إنّ المالَ الحرامَ مِن جميع طرُقه شؤمٌ على صاحبه، وضَرر على جامعه، فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يكسِب عبدٌ مالاً من حَرام فينفِق منه فيبارَك له فيه، ولا يتصدّق به فيقبَل منه، ولا يتركُه خلفَ ظهرِه إلاّ كان زادَه من النار" رواه أحمد والبيهقي وسنده حسن.
ولهذا، فمِن أسبابِ الشّقاء الشامِل، وعواملِ الخذلان المستمرِّ على بلدانِ المسلمين هو جمعُ الأموال من طريقِ المكاسب المحرَّمة، والوسائلِ الخبيثة، وإلاَّ فهل مُنِعت الاستجابةُ إلاَّ بسبَبِ المكاسب المحرّمة؟! وهل وقعتِ المصائب والمحَن إلاَّ بانتشارِ الخبائِث والموبقات؟! روى مسلم في صحيحه أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ذكَرَ الرجلَ يطيل السّفرَ "أشعثَ أغبرَ، يمدّ يدَيه إلى السّماء، يقول: يا ربِّ! يا ربّ! ومطعمُه حرام، وملبسه حرام، وغذِّيَ بالحرام، فأنى يستَجاب لذلك؟!" رواه مسلم.
قال مالكُ بن دينار: "أصابَ الناسَ في بني إسرائيلَ قحطٌ فخرجوا مِرارًا فلم يسقَوا، فأوحى الله إلى نبيِّهم أن أخبِرهم أنّكم تخرجون إليَّ بأبدانٍ نجِسة، وترفعون إليَّ أكُفًّا قد سفَكتُم بها الدماءَ، وملأتم بطونَكم من الحرام، الآنَ قد اشتدَّ غضبي عليكم، ولن تزدادوا مني إلا بُعدًا".
عباد الله : آكلُ الحرام منزوعُ البَركة، مسلوبُ الاستقرار والطمأنينةِ، لا يقنَع بخير يأتيه، ولاكثيرٌ يجنيه، عن أبي سعيد الخدريِّ -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطيبًا فقال: "لا والله، ما أخشى عليكم -أيّها الناس- إلاّ ما يخرج الله لكم من زهرةِ هذه الدنيا" إلى أن قال: "فمن يأخُذ مالاً بحقِّه يبارَك له فيه، ومن يأخُذ مالاً بغير حقِّه فمثَلُه كمَثل الذي يأكُل ولا يشبَع" رواه البخاري ومسلم.
فيا عبد الله : إن كنتَ تحِبّ نجاتَك، وترجو سعادتك، فأطِب كسبَك، ونقِّ مالَك، وتخلَّص من حقوق غيرك، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من كانت عندَه مظلمةٌ لأخيه من مالٍ أو عِرض فليأته فليستَحلِله من قبلِ أن يؤخَذَ منه وليسَ ثَمّ دينارٌ ولا دِرهم، فإن كانَت له حسناتٌ أخِذَ من حسناتِه لصاحِبِه، وإلاّ أخِذ من سيّئات صاحبه فطُرِحت عليه فطرِح في النار" رواه البخاريّ.
فالحذَر الحذَر من كَسبِ الأموال من غير سُبُلها المباحَة! ونيلِها من غيرِ طُرُقها المشروعة! فلقد أتتِ المكاسِبُ المحرَّمة على بيوت آكليها فخرَّبتها، ودكَّت صروحَ فهَدَمتها، فبماذا يكون الجوابُ إذا وقفوا غدًا بين يدي الله جلّ وعلا وسألهم عن هذه الأموال بأيّ وجهٍ أخذوها؟ وبأيّ دينٍ استباحوها؟ فأنت -أيّها المسلم- مسؤول عن مالِك: من أينَ اكتَسَبتَه؟ وفيم أنفَقتَه؟ كما صحَّ بذلك الخبر عن المعصومِ صلوات الله وسلامه عليه.
فاجتنِبوا -عباد الله- في جمعكم للأموالِ المسالكَ المحرمة ، فمن اتّقى الله وقاه الله، ورَزقه من حيث لا يحتسِب، ومَن ترك شيئًا لله عَوّضه الله خيرًا منه.
عباد الله : أنَّ المالَ العامّ في ديار المسلمين الأصلُ فيها العِصمةُ، لا يجوز الانتفاعُ بها في غيرِ محلِّها، ولا يجوز بأيِّ حالٍ الاعتداءُ على شيءٍ منها إلا بطريقٍ شرعيّ معتَبَر.، عن خولة الأنصارية قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنَّ رجالاً يتخوَّضون في أموالِ الله بغير حقٍّ فلهم النارُ يومَ القيامة" رواه البخاري.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إنَّ هذا المالَ خضِرة حلوَة، مَن أصابَه بحقِّه بورِك له فيه، ورُبَّ متخوِّضٍ فيما شاءت نفسُه مِن مال الله ورسولِه ليس له يومَ القيامة إلاّ النار )) . صحيح الألباني
اللهمّ أغنِنا بحلالك عن حَرامك، وبفضلِك عمّن سواك.
عباد الله : تعالوا بنا لنرى أحوال السلف في الحرص والمحافظة على الاموال العامة :
عمر -رضي الله تعالى عنه- لما كان في المدينة يحكم المسلمين أرسل إليه معاوية -رضي الله عنه- بزيت في قرب ليوضع في بيت مال المسلمين، فلما جيء إليه بهذا الزيت قال عمر إن وضعتُه في بيت مال المسلمين فَسَدَ، فأراد أن يبيعه، وان يجعل المال في بيت مال المسلمين، فقال للناس: من أراد أن يشتري من هذا الزيت فليأت إلينا بإنائه. فجعل الناس يأتون إليه بالآنية، وهو -رضي الله تعالى عنه- بنفسه يحل فم السقاء، ثم يصب لهم من الزيت ويأخذ منهم المال ليحفظه لبيت مال المسلمين، فكان بجانب عمر ولد له صغير، فكلما انتهت قربة قلبها عمر وعصرها، حتى إذا ظن أنها فرغت ألقاها بجانبه، فكان الصغير بجانب عمر كلما ألقى أبوه قربة أخذها وعالجها وأدخل إصبعه في فمها، وجعل يتلمس شيئا من الزيت الباقي فيها حتى يلتصق في يده، ثم يفرك إحدى يديه بالأخرى ويمسح وجهه وشعره، ففعل الصغير ذلك بثلاث أو أربع قِرب.
فالتفت عمر فجأة إليه، فإذا وجهه حسن، وإذا شعره حسن، يلمع نظيفا، فقال عمر له: ادَّهَنْتَ؟ قال: نعم، ادَّهَنْتُ. قال: مِن أين؟ قال: مما يتبقى في هذه القرب. فقال له أبوه: أن كنت ابن أمير المؤمنين تدهن بلا عوض؛ لأنك ابن الأمير تدهن وغيرك يدفع أموالا؟! أن كنت ابن أمير المؤمنين تدهن بلا عوض؟ والله ما يؤدبك إلا الحلاق! ثم أمر به فحلق شعره.
عمر -رضي الله تعالى عنه- مع أنه من العشرة المبشرين بالجنة، ومع أنه كان يطوي بطنه على الجوع، وكان في عام الرمادة لما جاع الناس وقرقر بطنه من الجوع يقول: قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع يتامى المسلمين !
عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه جلس مرة في ديوان ملكه يحكم بين الناس، فجيء إليه بمسك لبيت مال المسلمين، عطر، فلما دخلوا عليه بهذا المسك وضعوه أمامه، فأخذ طرف عمامته وسد بها أنفه، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، لماذا تفعل ذلك؟ قال لأجل أن لا أستمتع برائحته حتى لا يحاسبني الله على استمتاع لم أدفع ثمنه!.هكذا كان حال السلف
أقول ما تسمعون وأستغفِر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين فاستغفروه
أمّا بعد عباد الله :ان مِن أعظم الخيانةِ وأقبحِ الأعمال أن يشرِّفَك الله بحَملِ أمانةِ عملٍ من أعمالِ المسلمين، ثم تتَّخِذ من ذلك العمَل مطيّةً لجمع الأموالِ، ونيلِ المصالح الخاصّة، بالنّهب والسّلب، والتحايُل على ما ليس بحقّ.
عباد الله : لو نظرنا الى واقعنا لوجدنا ان المال الحرام اتخذ صورا عديدة أعظم صورة من صور أكل الحرام: الربا.


ومن صور أكل الحرام: الغش والخيانة، والتجارة بالمواد المحرمة كالدخان وآلات اللهو، والمعازف
ومن صور اكل المال الحرام ما ستشاهدونه في هذه الايام من التجارة بالصوت الانتخابي مقابل الفتات من الاموال او صندوق من الطعام او غير ذلك ووالله سنسال عن هذا المال من اين اكتسبناه وفيما أنفقنا
تعليقات
إرسال تعليق